غياب المغرب عن اجتماع الدفاع والأمن بالسعودية.. هل وصل البلدان لقطيعة عَسكرية؟
احتضنت العاصمة السعودية الرياض، أول أمس الاثنين، مؤتمر الأمن والدفاع لرؤساء الأركان في مجلس التعاون الخليجي، والذي عرف حضور مجموعة من الدول غير المنتمية للمنظمة من بينها دولتان عربيتان هما مصر والأردن، في الوقت الذي كان فيه لافتا غياب المغرب الذي ظل طيلة عقود يصنف كحليف استراتيجي للسعودية في المجال العسكري والأمني والسياسي.
الاجتماع الذي خصص لمناقشة "الأعمال العدائية الإيرانية"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، حضره أيضا ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى جانب باكستان وكوريا الجنوبية وهولندا وإيطاليا ونيوزيلندا واليونان، بهدف توفير سبل "الحماية البحرية والجوية من الهجمات الإرهابية الإيرانية وضمان سلامة الملاحة البحرية"، وفق الرياض.
لماذا غاب المغرب؟
وأثار غياب المغرب علامات استفهام كثيرة، ليس فقط لكونه يعد حليفا عسكريا تقليديا للرياض، ولكن أيضا نظرا لكون الرباط كانت تعتبر أن "أمن منطقة الخليج العربي جزء من أمنها"، وتحديدا في مواجهة "التهديدات الإيرانية"، وهو ما سبق أن عبرت عنه عمليا قبل 10 سنوات، حينما استدعت القائم بأعمال سفارتها في طهران ردا على "رفضها مس إيران بسيادة مملكة البحرين ووحدتها الترابية".
وكان المغرب قد شارك في التحالف العسكري العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والذي ينفذ عمليات عسكرية في اليمن منذ 2015، الشيء الذي كلف القوات المسلحة الملكية فقدان حياة أحد طيارها إثر سقوط طائرة مغربية من طراز "إف 16".
لكن أشياء كثيرة تغيرت منذ 2017، وتحديدا منذ رفض المغرب الانضمام للتحالف المقاطع لدولة قطر، وهو ما أدخل العلاقات بين الرياض والرباط نفق فتور طويل كان له تأثير حتى على تحالفهما العسكري، ففي بداية العام الجاري أعلن وزير الخارجية ناصر بوريطة أن المغرب "غير مشاركته انطلاقا من التطورات التي وقعت على الأرض، وخاصة التطورات الإنسانية"، ما يعني أن الأعمال القتالية انتهت بالنسبة له.
ويستبعد العباس الوردي، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، أن يكون لغياب المغرب علاقة باستمرار توتر العلاقات بين الرباط والرياض، والتي قال إنها بدأت تعود إلى سابق عهدها، مبرزا أن استدعاء الدول لمثل اجتماع الأمس يكون "عادة شرفيا وليس تقريريا".
واعتبر الوردي أن غياب المغرب له تفسير "جيوسياسي"، فالمملكة "غير معنية بالصراع الإيراني الخليجي، كما أن بعدها جغرافيا عن منطقة الشرق الأوسط، يجعل غيابها مقابل حضور مصر والأردن أمرا منطقيا".
منعطف قضية الصحراء
على الرغم من أن العلاقات المغربية السعودية بلغت درجة غير مسبوقة من الفتور إثر الأزمة الخليجية، خاصة بعد دعم الرياض علنا ملف الترشيح الأمريكي الشمالي لمونديال 2026 في مواجهة الملف المغربي، إلا أن الرباط ظلت تنأى بنفسها عن الدخول في مواجهة رسمية ومباشرة مع أكبر دولة خليجية، إلى تم المس بالوحدة الترابية للمغرب.
ففي فبراير من العام الجاري، وإثر إعلان ناصر بوريطة في حوار على قناة "الجزيرة" موقف المغرب الجديد من حرب اليمن، قامت قناة "العربية" الممولة سعوديا والموجود مقرها في الإمارات العربية المتحدة، بعرض تقرير يقتطع الصحراء عن باقي التراب المغربي، كما تحدث عن أن ما تسمى بـ"الجمهورية العربية الصحراوية" تحظى باعتراف العديد من الدول.
وقامت الرباط مباشرة بعدها بسحب سفيرها من الرياض في إجراء غير معلن عنه رسميا من طرف الخارجية، لكن وكالة "أسوشيتد بريس" الأمريكية نقلت عن "مسؤولين حكوميين مغاربة" لم تسمهم، قائلة أيضا إن المغرب "انسحب التحالف العربي في اليمن".
غير أن العباس الوردي يعتبر أن السعودية والمغرب طوتا صفحة الخلاف بإعلان خارجية الرياض رسميا تأكيدها على مغربية الصحراء، موردا أن الخرجة الأخيرة للسفير السعودي بالرباط وتأكيده رسميا على دعم الوحدة الترابية للمغرب تجعل من المستبعد أن يكون لغياب المملكة عن اجتماع الأمس علاقة بتوتر العلاقة بين البلدين، التي قال الأستاذ الجامعي إنهما "أبديا رغبة في طي صفحتها نهائيا".
المصلحة فوق كل شيء
نقلت وكالة "واس" عن رئيس هيئة الأركان العامة السعودي الفريق أول ركن فياض بن حامد الرويلي، أن اجتماع الأمس "جاء للتوصل إلى أنسب الطرق لتوفير القدرات العسكرية المشتركة التي تحقق تأمين الحماية للمنشآت الحيوية والحساسة، حيث إن المنطقة ما زالت تعاني من أزمات متواصلة منذ وصول نظام الثورة الإيرانية إلى الحكم، والذي يعمل على مبدأ تصدير الثورة للدول الأخرى، والخروج عن الأعراف والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ونشر الفوضى بتوظيف المذهبية الدينية لخدمة السياسة وبتبني ودعم جماعات وأذرع وعناصر موالية لها، وتشكيل أحزاب ومليشيات تدين لها بالولاء المطلق لزعزعة الأمن والاستقرار في عدد من دول المنطقة".
ويبدو جليا من خلال هذا التصريح أن اجتماع أول أمس، الذي يأتي في ظل تصاعد متزايد لنبرة العداء بين إيران من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى، أن هذه الأخيرة ترغب في عدم تكرار سيناريو الهجوم على منشآت شركة "آرامكو" النفطية الذي كبدها خسائر فادحة، فيما ترغب العديد من الدول المشارِكة في الاجتماع إلى حماية مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية المرتبطة بالسعودية.
وفي هذا السياق ينبه الوردي إلى أن غياب المغرب قد يكون محكوما أساسا بـ"المصلحة" فهو "بعيد عن النزاع الخليجي الإيراني وغير معني بالتهديدات الإيرانية، كما أنه في غنى عن الدخول في أي صراع مع أي طرف في منطقة الشرق الأوسط"، مبرزا أن لا مصلحة للرباط في المشاركة في مثل هذه اللقاءات.
وفي المقابل، يشير الوردي إلى أن الدول المشاركة أيضا كانت مدفوعة بـ"المصلحة"، فالأردن ومصر موجودة في منطقة الشرق الأوسط ولها حدود مع السعودية، فيما بريطانيا كانت دخلت في نزاع مباشر مع إيران إثر أزمة احتجاز الناقلتين، فيما فرنسا تخطط للوساطة بين طهران وواشنطن لتنظيم لقاء بين حسن روحاني ودونالد ترامب، وهو ما تم الكشف عنه خلال قمة الدول السبع الأخيرة".