مَعركة "ذي قار".. عندما أذاب العرب خلافاتهم لهزم "الفرس"

 مَعركة "ذي قار".. عندما أذاب العرب خلافاتهم لهزم "الفرس"
الصحيفة
الثلاثاء 5 أبريل 2022 - 10:33

تمجد كتب التاريخ الإسلامي والعربي أحداثا عظيمة، مرصعة بالذهب في سجلات الانجازات والتاريخ الحافل.

ومن بين الأحداث التاريخية التي تعتز بها قبائل العرب معركة "ذي قار"، التي صنفت كأعظم انتصار عربي على الفرس في وقت الجاهلية القريبة من الإسلام، وهي المواجهة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنها :"ذاك يوم انتفصت فيه العرب من العجم". 

وكانت العرب في الجزيرة العربية قبائل شتى لم تعرف وحدةً سياسيةً ولا نظاماً شاملاً، لكل قبيلة نظامها، وكانت في الجزيرة مراكز تميزت عن القبائل المتبدّية بنوع من التحضّر، لكنها كانت مدعومةً من جهات خارجية، فكان المناذرة في العراق وولاؤهم لكسرى فارس، والغساسنة في الشام وولاؤهم للروم. فالمناذرة درع الفرس في وجه العرب، كما الغساسنة حصن الروم الأول في وجه العرب.

خيانة وانتقام...هكذا بدأت !

البداية كان من موقف النعمان بن المنذر، ملك الحيرة (مدينة تاريخية تقع جنب وسط العراق) في تلك الوقت، حيث أصبح يتحامل على كسرى الثاني حاكم الفرس، ويرفض طلباته، ويلمح لإنهاء الرضوخ والولاء له، وتجلى ذلك في كثير من المحطات، على غرار رفض النعمان تزويج ابنته لكسرى، وارساله لرد محرج إلى كسرى، استفزه بانعدام الجمال والأصالة في النساء الفارسيات، حتى يلجأ إلى ابنته العربية ويطلب يدها، هذا الأمر أغضب كسرى كثيرا وجعله يضع أول لمسات المعركة.

بعد هذا، نطق كسرى، وأمر بقدوم النعمان له شخصيا، والذي كان يعرف أن نهايته قد اقتربت دون أي شك، فبدأ رحلة الهرب يطوف بين القبائل والعشائر، يحاول الاختباء والبحث عن حل لتجنب كسرى، وفي كل مرة لا يجد المكان المناسب الذي يحميه، فقرر الذهاب شخصيا إلى كسرى، بعد نصيحة من هانئ بن مسعود الشيباني.

تعرض النعمان إلى خيانة ومكيدة من طرف زيد بن عدي العبادي، الذي كان يلعب دور الرسول بينه وبين كسرى، وأخبره بمعلومات خاطئة وأكد له أنه لم يلقى سوءا في قصر كسرى، ولكن غدر به انتقاما لمقتل أبيه على يد النعمان نفسه.

اختلفت الروايات حول طريقة موت النعمان على يد كسرى، والمؤرخون يؤكدون أنه شرب السم رفقة أولاده ولقي حتفه، وآخرون يوثقون أن كسرى وضعه في السجن حتى أصيب بالطاعون ومات.

خلطة توابل الحرب 

لم يكتف كسرى بقتل النعمان، وتعيين خليفته على الحيرة، وهو إياس بن قبيصة الطائي، بل بعث إلى هانئ بن مسعود الشيباني، حاكم بادية بنو شيبان التابعة لقبيلة بكر بنو وائل الشهيرة، يطلب منه التنازل على الأملاك والتركة التي أعطاها له النعمان أمانة عنده قبل رحيله لأول مرة من أجل مقابلة كسرى، وهنا كانت البداية ومفترق الطرق، فإما الخضوع وخيانة الأمانة وتسليم ودائع النعمان لكسرى بما فيها حريمه ونساؤه، وإما حفظ العهد والأمانة والقَبول بحرب من كسرى وعملائه تهز الجزيرة العربية.

غضب كسرى ووجه جيوشه المدججة بالأسلحة والفيلة إلى منطقة "ذي قار"، وقبل أن تبدأ الحرب، جرت المراسلات بين بني شيبان وقبائل العرب، كما جرت المراسلات بين قبائل بكر نفسها، فجاءت الوفود من بني بكر بن وائل في اليمامة والبحرين، وكذلك طلب الأسرى من بني تميم عند بني شيبان منهن أن يقاتلوا معهم، واجتمع العرب واتفقوا على محاربة جيوش كسرى الرهيبة، فيما انسحبت قبائل أخرى ورفضت معركة "الإعدام المؤكد" كما كان يتوقعها الأغلبية.

يوم المعركة 

لم يكن على العرب سوى التخطيط بذكاء، بقيادة بنو عجل وعلى رأسهم حنظلة بن ثعلبة، وبنو شيبان بقيادة بكر بن يزيد، وأيضا هانئ بن مسعود، الذي أمر بتوزيع عتاد وأمانة النعمان على الجيش لتحفيزهم، واحتدم القتال بين الطرفين في اليوم الأول، وتراجع العرب قليلا أمام هيمنة الفرس، ولكن العطش أتى بهم في اليوم الثاني.

وخطط العرب لعزل الفرس عن المياه واقتيادهم تدريجيا إلى مكان الكمين، ولكنهم هربوا إلى منطقة الجبايات ولم يجدوا شيئا، ثم إلى بطحاء ذي قار، وتبعهم جيش بكر بنو وائل، واشتد القتال ولكن الفرس كان يسقطون بأعداد كبيرة، بعدما جزعوا من العطش، وقتل منهم العرب الآلاف واقتسموا الغنائم فيما بينهم، وانتصر العرب على جيوش كسرى العظيمة، وتم انقاذ الجزيرة العربية من بطش الفرس في معركة ذي قار الراسخة.

كسرى يستشيط غضبا 

تكبد كسرى خسارة فادحة، ومهينة له ولهيبته وجيشه، وكان يقال أنه يقطع أيدي كل من ينقل له خبر خسارة جيشه في معركة، وهذا ما جعل إياس بن قبيصة يكذب على كسرى ويهرب منه، بعدما نقل له خبر انتصار جيشه على العرب، ثم فر بحجة رؤية أخيه المريض، قبل أن يأتي رجل من أهل الحيرة، ولم يكن يعرف أن إياس بن قبيصة قد كذب على كسرى، فأخبره بهزيمة جيشه ليتعرض للعقوبة، وهي قطع يديه غضبا على نقله خبر الهزيمة.

وكانت هزيمة الفرس ضربة موجعة لكسرى، الذي لم يتمكن من استعادة هيبته على الجزيرة العربية، التي استطاعت توحيد القبائل والاستقرار في البحرين، وبدأت ظهور حقبة الخلافة وبدء حروب الردة.

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...