أزمةُ قانُون.. في البناءِ السّكَنِي!
قانونُ "البِناءِ السّكنِي"، أمام البابِ المَسدُود.. لا هو يَحترِمُ البِنَاء، ولا البِناءُ يَحتَرِمُه.. قانونٌ يبدُو مُجرّدَ مَصيَدةٍ للرّشوة..
والبناياتُ السّكنيةُ في بلادِنا لا تَخضعُ كُلّها لقانُونِ العَقار.. القانونُ مَوجُود، ولكن على الورَق.. والمَوجُودُون في المَيدَان، هُم ثلاثة: الرّاشي والمُرتَشي والرّائش..
والرّشوةُ سيّدةُ المَوقِف.. هي تتَحكّمُ في البِنايات..
وكلّ الجهاتِ الإدارية تَجعلُك - أنتَ أيضًا - تَقفزُ على القانُون، وتقولُ لك شَفَويّا: "مسموحٌ لك بالبناء.. اِبْنِ كما شئتَ!"..
الرّشوة هي قد جَعلت جُلّ المَنازلِ المغربية مَبنيّةً بدُونِ رُخصة مكتوبة.. الإدارةُ المُختصّةُ تسمحُ لك بالزّيادةِ في البِناء، كما تريد، مُقابلَ مبلغِ كذا وكذا...
الرشوةُ تشُقّ لك الطريق..
وليست عندنا إدارةٌ عقاريةٌ واحِدة، لا تُقدّم للمُواطنِ إذنًا شَفَويّا بالبناء..
الرّشوة تتَحكّم في البِناء، وتُحدّدُ للبَانِي حتى وقتَ البناء، وكيف يجبُ أن يُسرِعَ في البناء..
هو بِناءٌ يُوصَفُ بالسّرّي، وفي الواقِع ليس سرّيا، إنه بِناءٌ علَني، أمامَ أنظارِ الإدارةِ المختصّة..
الإدارةُ تَستَبدلُ الرخصةَ الورقيةَ القانونية، بالإذنِ الشفَوِي، حتى لا تُبقِي أثرًا لجريمةِ خرقِ القانون.. وأصبح مسموحًا للمَعني، وبإذنٍ من المسؤولِ الأول عن البِناء، أن يبني ما يشاء، كما يشاء..
- وطبعًا، مُقابل "التّدويرة": الرّشوة، وما أدراكَ ما الرّشوة..
وما زالت الرّشوةُ سيّدةَ البِناء، في طولِ البلادِ وعرضِها..
وفي هذا الظرف، يبدُو أنّ قانونًا قد يَصدُر، وفيه إمكانيةُ تقنينِ ما زاد أو نقُصَ في البِناءِ المُرخّص به..
وإذا صدَر، واطّلَع عليه الجميع، فسيكونُ قانونًا مُهِمّا، وفي نفسِ الوَقت، سيُورّط كلَّ الإداراتِ المغربية، من الحكوماتِ المُتعاقِبة، إلى وزارةِ الداخلية والعمالاتِ والولايات، فإلى الجَماعاتِ المحلّية، وإلى المُحافظاتِ العَقارية، والوكالاتِ الحَضرية، ومَصالحِ التّراخيصِ بالبِناء، وغيرِ هذه الجِهاتِ المختصّة وهذه يقفُ خلفَها سماسرةٌ كثيرون..
ويمكنُ الجزمُ بأنّ جُلّ البنايات السّكنيّة، بما فيها العماراتُ والفيلاّت، مبنيّة بالإذنِ الشّفوي، من حيث الزيادةُ في البناء أو النّقصان أو التّعديل..
وسيجدُ القانونُ الجديدُ نفسَهُ - إذا كان - أمام سؤالٍ مُجتَمَعِيّ هو: لماذا هذا القانون؟
وهل نحنُ بحاجةٍ إلى قانونٍ لا يُطبّق؟ قانونٌ هو نفسُه تخرقُه مُؤسّساتُ الحكومة؟ وما صلاحيةُ قانونٍ ورَقِي، ما دام عندنا إذنٌ شفَوي بالبِناء، من "السيّد فُلان، أو فُلان، أو عِلاّن"؟
وهذا السؤالُ سيُنتِجُ لكُم أيها المسؤولون الكبار، إشكاليةَ "وجَعِ الرأس".. وبِسَبَبِها لن تعرفُوا النوم..
فما هي الإشكالية؟
وهل هي مُرتبطةٌ بتَقاطُعٍ مع الحاجةِ الماسّةِ إلى أموالٍ لمَنعِ تمَدّدِ الفقرِ في المغرب؟
لا تنسوا أن الفقرَ يتّسعُ ويكبُر، ومعهُ تزدادُ المتاعب، وهذه لن تُوقفَ ما أنتُم عليه مُقبِلون من أوجاعِ الدّماغ..
والفقرُ ليس هو التّفقير.. وقد أصبحَ التّفقيرُ سياسةً حكوميّةً شاملة..
وإذا كنتُم تُريدُون معالجةَ الفقرِ بقانونٍ عقاري جديد، فالقانونُ لا يُفيدُكم، لأن العقار قد اعتادَ أن "الإذنَ الشّفَوي" هو الذي يُطبّق على أرضِ الواقع..
وإذا كنتُم تُراهنُون على استِثمار الفقرِ في تراخيصِ البناء، فأنتُم مُخطئون: الفَقرُ لا يقضِي عليه الفَقر..
وإذا كنتُم جادّين في تطويقِ الفقر، فابحثوا عن المسؤولين الذين هم السّبَب في تفقيرِ الأغلبيةِ الساحقةِ من بناتِ وأبناءِ البلد..
- إنكم تلعبُون بالنّار!
الفقرُ لا يُعالجُ الفَقر..
الفقرُ لا تُعالجُه إلاّ الثروة.. والثروةُ أنتُم أدرَى بها.. والأثرياءُ أنتُم تعرفُونهم، واحدًا واحدًا..
ومن الضّرائبِ التي لا يُؤدّونها تستطيعون تمويلَ مُحاربةِ الفقر..
ومُحاربةُ الفقر مُرتبطة بمُحاسبةِ من لا تُحاسبُونهُم، وهُم في مَواقعِ المسؤوليةِ الحِزبية والنّقابية والبرلمانية والحكوميةِ وغيرِها.. يَجمعُون بين المالِ والأعمالِ والسياسةِ والضّحكِ على ذُقونِ البلادِ والعِباد..
ومُرتبطةٌ أيضا بِجَحافلِ الرّشوة.. والاحتِكار.. وبقيةِ أنواعِ وأشكالِ الفسادِ والإفساد..
وإلى هذه، تستطيعُون تغذيةَ صندوق محاربةِ الفقر، بأموالِ الرّيع، ومنها الضيّعاتُ المُمَغرَبَة، وأراضي الدولةِ والجموعِ التي سَلّمتَها الإداراتُ المُختصّة لبُناةِ العمارات، تحت غطاء: 200 ألف سَكَن...
بهذه الأموال الخارجةِ عن القانون، تستطيعون محاربةَ الفقر..
والبلادُ بحاجةٍ إلى مُحاربةِ الفقر، لا مُحاربة الفُقراء..
وأنتُم تريدُون مُعالجةَ الفُقراء بالضغطِ العقاري على الفُقراء..
والفُقراءُ لا يأكُلون بعضَهُم..
هذه قُنبُلةٌ تضَعُونها في أيديكُم..
- فلا تلعبُوا بالقانون!
أموالُ الفُقراء موجُودةٌ عند من كانوا فُقراء، وأصبحُوا من كبارِ الأغنياء.. وموجودةٌ عند "النّخبة السياسية والاقتصادية"، وعند فئةٍ من تُجّار الدين، وعند الاحتكاريين، والمُرتشين، وأباطرةِ الإدارات، والفسادِ والإفساد، وأباطرةِ المُخدّرات، وأيضا عند فئةٍ عريضةٍ في الإداراتِ العقارية..
إنكم تعرفون خريطةَ الثّروة.. تعرفُونها جيّدًا..
وتستطيعون حلّ كل مشاكلِ البلد، إذا كان يهُمّكم ألا تعيشُوا وأنتُم تُعذّبُون غيرَكُم..
العدالةُ الاجتماعيةُ بأيدِيكُم..
ولكُم أن تختارُوا بين "وجَعِ الضّرس" وَراحةِ البال!