وباء كورونا: مؤامرة أم فرصة؟
منذ أن حُدد فيروس كورونا في منتصف كانون أول/ ديسمبر 2019 في مدينة ووهان وسط الصين، وتم تصنيفه من قبل منظمة الصحة العالمية في 11 آذار/ مارس 2020 كوباء عالمي، أصبح تفشي فيروس كورونا مادة خصبة لنشر التحليلات ونظريات المؤامرة، وشغل هذا الموضوع حيزاً كبيراً في شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية المختلفة. حيث أشار البعض إلى أن هذا الفيروس المستجد مؤامرة أميركية لوقف الصعود الصيني، في حين رأى آخرون فيه مؤامرة صينية تمثل حلقة جديدة من حلقات الصراع بين الرأسمالية والشيوعية تُعمّق فيها الصين الحاجة إلى بضائع الصين الرخيصة.
تبقى نظريات المؤامرة حاضرة، ولا نستطيع إنكارها بشكل قطعي، إلا أنه لا يمكن الخوض في أبعادها ولا نستطيع الجزم بصلابة هذا الرأي، وبالقدر نفسه لا نملك من الدلائل والمعطيات ما يؤهلنا لتأييده أو نفيه، خصوصاً وأن الخسائر الاقتصادية والبشرية والاجتماعية للوباء، أصبحت ترتفع بشكل مهول، ولحقيقة أن تسارع انتشار الفيروس سيُسفر عن نكسات حتمية للاقتصادين الأميركي والصيني على حدٍ سواء.
لقد بات وباء الكورونا أزمة عالمية سيكون لها تداعياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد برعت اللغة الصينية إلى حد كبير في صياغة مصطلح الأزمة، إذ ينطقونه ( Ji-Wet) وهي عبارة عن كلمتين الأولى تدل على ( الخطر)، والأخرى تدل على (الفرصة) التي يمكن استثمارها. يذكرنا هذا بالمثل الذي يقول:" خارج الأزمة تكمن الفرصة"، فهل يرى البعض في أزمة كورونا فرصة لحبك المؤامرات وتحقيق أهداف معينة؟
أعلنت عدد من الدول حالة الطوارئ على ضوء تفشي فيروس كورونا، وذلك كإجراء احترازي لاحتواء ومواجهة هذا الوباء. ومن المعروف في حالة الطوارئ أن الشعب يصبح فيها خاضعاً لحكم الجيش الوطني، ما يعني أن الفرصة تكون متاحة لإقصاء المعارضة دون الحاجة إلى مبرّر قانوني! وعلى الرغم من عدم حدوث ذلك حتى اللحظة في أي دولة في العالم، إلا أن أزمة كورونا توفّر الفرصة لكل من يريد اغتنامها.
في لبنان، سعى رئيس حزب القوات اللبنانية إلى تسيس أزمة الكورونا، حينما طالب بعزل المخيمات الفلسطينية ومخيمات اللاجئين السوريين، ومنعهم من التنقل، وفرض حصار عليهم، كإجراء وقائي ضد انتشار فايروس كورونا في لبنان. حيث أن مطالبته حملت رسائل سياسية خطيرة خصوصاً في ظل الوضع اللبناني الداخلي المأزوم، والمسعى الفلسطيني المستدام لتحسين شروط حياة اللاجئين في لبنان.
في الوقت الذي تُسارع فيه الحكومات إلى اتخاذ إجراءات وقائية من فيروس كورونا، اقتحمت وحدات تابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية أربعة أقسام في معتقل "عوفر"، وأكد اللواء قدري أبو بكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل انشغال العالم بأزمة "كورونا" حتى ينقضّ على الأسرى وخاصة الاشبال في معتقل "عوفر"، وأضاف أبوبكر في تصريح له: "أن الهيئة طالبت بضرورة وقاية الأسرى من المرض، وخاصة أن خمسة آلاف أسير يعيشون في حالة اكتظاظ، ولكن حتى الآن لم تستجب ادارة السجون لمطالب الاسرى ولم تقدم لهم مواد التنظيف والتعقيم حتى انها لم ترش الغرف، فالأسرى يشترون مواد التنظيف من "الكنتينا" من اموالهم الشخصية".
في سياق آخر، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استغلال أزمة انتشار وباء كورونا لتحقيق أهدافه السياسية والشخصية. حيث دعا نتنياهو إلى تشكيل حكومة طوارئ لمواجهة كورونا، وتأتي دعوته هذه في محاولة منه لإجبار خصومه على دخول حكومة برئاسته، على أمل الإفلات من المحاكمات التي تهدده بالسجن لتورطه في ثلاث قضايا فساد. ويبدو أن سيناريو تشكيل حكومة طوارئ أصبح قوياً في ظل ارتفاع عدد الإصابات بكورونا يوماً بعد يوم في "إسرائيل".
في الختام فإنه ومما لا شك فيه، أنه إذا ما صحّت نظرية المؤامرة، فإن الحرب البيولوجية المتمثلة اليوم في انتشار فيروس كورونا هي أنجح وسائل تدمير الدول بعيداً عن الحروب التقليدية. إلا أن النظرية التي تقول أن: "خارج الأزمة تكمن الفرصة" هي التي أثبتت صحتها في ظلال هذا الوباء، ولعلّ الأيام المقبلة ستشهد وقائع وأمثلة حية أخرى تُدعّم هذه النظرية وتُعولمها.
-كاتب وباحث فلسطيني