الانتِخابات: حَبْلُ الحِرَاك لم يَنقَطِع!
أحمد إفزارن
ما الأسبَق؟ التّغيِيرُ السّياسي؟ أم الاقتِصادي؟ وماذا عن الانتخابات؟ مُمكِنة؟ أم مُستَحِيلة؟ وما رأيُ مُعتقَلي الحِراك؟ وماذا عن أزمةِ الأحزاب؟ و"سُلطةِ الخفاء"؟
- نِقاشٌ شاملٌ دائرٌ في أوساطِ النُّخَب..
والأحزابُ لا هَمّ لها إلاّ انتِخابات 2021.. هي ترى أن الانتخاباتِ هي الأساس.. فهل تأتِي هذه الانتِخابات؟
وهل عندَنا أحزابٌ مُقنِعةٌ وذاتُ مِصداقية؟ وهل هي أهلٌ للثّقة؟ أم العكس؟ وهل عندنا كُتلةٌ ناخِبةٌ في المُستَوى المطلُوب؟
إنّ أحزابَنا مُهوُوسةٌ بضرُورةِ إجراءِ الانتِخابات، مهما كانَ الثمن.. وفي المُقابِل، جُلّ فئاتِ المُجتمَع مُتَشكّّكة.. ترَى أن المَشروعَ الانتِخابِي غيرُ ناضجٍ وغيرُ جاهِز.. وفي حالةِ انتخاباتٍ خارجَ ظروفِها الاجتماعيةِ والنفسية، قد تكونُ لها مُضاعَفاتٌ على صِحّةِ وتَوازُناتِ البلد.. - الانتِخاباتُ قد تكُونُ مُجرّدَ حُلم!
وبماذا يَحسِمُ الواقعُ المَيدَاني؟ هل يُراهِنُ على الانتِخابات؟ أم يَجنَحُ للعُزُوف؟
وخيارٌ ثالثٌ مطرُوح: هو أن يبقَى الحالُ على حالِه.. لا تغيِير.. لا ديمُقراطية.. لا حقُوق.. لا عدالة اجتماعية.. ولا خُطوة إلى الأمام…
وفي هذه الحالة، ماذا لو استمرّ "الفراغُ الانتِخابي"؟ ألاَ يعنِي الفراغُ استِمرارَ الاستِبداد، والفَساد، واحتِمالَ أن نبقَى جاثِمين على بُركانٍ اجتِماعيّ؟
والسؤالُ المِحوَرِي: هل عندنا أحزابٌ مَسؤولة؟ أم تعُودُ نفسُ الأحزابِ إلى الحُكمِ بنفسِ الفساد؟
قد يتلخّصُ "رهانُ الحُكمِ" في اعتبارِ الانتخابات ضرورةٌ قُصوَى للمسارِ الدّيمُقراطي، وللاستِقرار، وسُمعةِ البلد، واستئنافِ بناءِ مغربِ الغد…
الانتِخاباتُ مُهمّةٌ جِدّا في "الحياةِ الدّيمُقراطية" لأيّ بلَد.. ويجب الاستِعدادُ بعنايةٍ ومسؤولية..
فهل نحنُ جاهزون لانتخاباتٍ في المُستوى المطلوب.. لسنا جاهِزين.. ونحنُ اليومَ أمام مائدةٍ عليها جُملةٌ منَ الاختيارات..
وأمام مُنعطَفٍ يَنتظرُ فاعِلَيْن: المُجتمعُ والأحزاب.. والطرفانِ معًا مُتَعارِضان.. لا يَلتَقيان.. مِثلَ السّالبِ والمُوجب، إذا التقَيا، فانتظِرِ الساعة!
والطّرفان سائِران كلٌّ في اتّجاهِه: الانتخابات، واحتِمالُ العُزُوف.. - وطرَفٌ إضافيّ ثالِث: "سُلطةُ الخَفَاء".. وهذه في حالةِ ترقُّبٍ وتحليلٍ وانتِظار.. فهل تُغامِرُ بانتخاباتٍ غيرِ مَحسُومةِ العواقِب؟ وبأحزابٍ لم تتغيّر، وليست مؤهّلةً لترجِيحِ كفّةِ الانتخاباتِ على كفّةِ العُزُوف..
الرّؤيةُ غيرُ واضِحة.. والنّتِيجةُ غيرُ مُؤكّدة..
وتَظهرُ في الأفُق عَناصِرُ أخرى تُغذّي النقاشَ العامّ، وهي: رأيُ مُجتمعِ الحِراكِ الاجتماعي، في "الرّيف" و"جرَادَة" وغيرِهِما..
ما رأيُ بناتِ وأبناء الحراكِ الاجتماعي المُسالِم؟
ورأيُ مُعتقَلي الحِراك؟ إنهُم في سُجُون الاعتِقال.. وفي هذا السّياق، سبَقَ الإعلانُ عن اتصالاتِ شخصياتٍ حُقوقيةٍ وغيرِها بقادةِ الحِراك؟ فما رأيُ قادةِ الحِراك؟ هل اقتَنعُوا بتَبادُل المَصالح، وهي نوعٌ منَ "المُقايَضة": الحُرّيةُ مُقابلَ الانتِخابات؟
وإذا كانوا غيرَ مُقتنِعين بالانخراطِ في حزبٍ منَ الأربعين الموجُودة في الساحة، يستطيعُون إنشاء حزبِهم، وخوضَ انتخاباتِ 2021..
هذه من الاختيارات..
وما رأيُ زعيمِ الحِراك "ناصر الزّفزافي"؟ هل ما زالَ على مَوقِفِه السّابق منَ الأحزاب؟ وقد كان يصفُها في مسيراتِ الحراك: "دَكاكينَ سياسية"..
فماذا تجَدّد؟ هل في داخلِ الأسوارِ حِواراتٌ جدِيدة؟ هل تغيّرَت المَواقف؟ أم لا جديد؟
إذا لم يَجِدَّ جديد، فالمُعتقَلون السياسيّون - الحِراكيّون - رُبّما لم يَلعبُوا كلّ أوراقِهم، وقد لا يُجازِفُون بحرقِ أوراقِ الحراك، علمًا بأنّ الحِراكَ الاجتِماعي، المُعتقَلُ فيهِ له وَزنٌ خاصّ قد يُؤثّرُ به في مَشرُوعِ الانتخاباتِ المُحتَملة..
وهُنا أيضا تساؤلات: هل عندنا أحزابٌ مسؤولة؟
إنّ أحزابَنا جُلّها مُنغَلِقة.. انغِلاقٌ لا يَسمَحُ بأيّ إصلاح.. التغيِيرُ يأتِي من الدّاخِل.. والحِزبُ الحيّ يَنفَتِحُ على كلّ نزاهةٍ تَطمَحُ لخِدمةِ البَلد، عن طرِيقِ المُمارَسةِ السّياسيّة.. ضرورةُ الانفِتاحِ على الكفاءاتِ والضّمائر.. وبدُونِ هذا التّجدِيد الدّاخلي، تَستحِيلُ الدّيمقراطيّة.. ضرُورةُ الفَصلِ بينَ الدّين والدّولة: الدولةُ العِلمانية..
ومهما كانت التّصوّرات، المَغربُ يدخُلُ في تَحوّلٍ جِذري..
المُستقبلُ أمامَنا، والرؤيةُ في ما يحدُثُ خلفَنا واضحةٌ في المرآة.. - وقد وقَعت أحداثٌ كثيرة في تاريخ البلد..
ومنذ ميلادِ دستُور 2011، وحزبُ "تُجارِ الدين" مسؤولٌ مُباشِرٌ عن كلّ ما هو علاقةٌ مُجتمَعيّةٌ مع المؤسّساتِ الأساسيّة للدّولة، ومنها التّشريعيّة والتّنفِيذيّة..
وما زالت كُبرياتُ المِلَفّات الاجتِماعيّة على رُفوفِ الحزبِ الذي يستَغلّ الدّينَ لأهدافٍ سياسيّة..
وليس تُجّارُ الدينِ وحدَهم في مراكزِ المسؤوليةِ المباشرةِ مع الناخِبين.. ليسُوا وحدَهم.. هُم مُتواطئون مع أحزابٍ أخرى..
المَصالحُ السياسيةُ والاقتصادية تجمعُ المُتواطِئين في سُوءِ تدبيرِ شؤونِ البلد..
وعندما تنتَقِدُ الأقلامُ سياساتِ هذه الفئة المُتحَكّمة في دواليبِ البلد، يُقالُ للنّاقِدينَ إنكُم تحاربُون الدّين.. وكأنّ انتقادَ تُجارِ الدّين في سُوءِ تَدبيرِهم، هو إساءةٌ للدّين..
والحقيقةُ غيرُ ذلك..
فرقٌ بين الخطاب الديني والسّلوكِ البشري..
وما كان الدّينُ حَكرًا على أحد.. ولا استِغلالاً وريعًا واحتكارًا وبَيعًا وشراءًا في شؤونِ البلادِ والعِباد..
إنهُم ليسُوا في مُستَوَى المسؤولية التي أناطَها بهِم الناخِبُ المغربي، مهما كانت الانتخاباتُ والناخبون والنتائج، ومَن تواطأوا مع تُجارِ الدّين في رسمِ الخريطةِ السياسيّة والتّدبيريّة، وهذه استراتيجيةٌ يُتصوّرُ أنّها بدَأت قبلَ الانتِخابات، وتواصَلت بعد إعلانِ النّتائج، ثم خِلالَ سَنواتِ حُكمِ تُجّار الدّين وَشُرَكائهِم..
الشركاءُ أيضا مَسؤولون.. وفيهم شُركاءُ في مواقعِ المسؤولية، وشُركاءُ وراءَ السّتار.. فمن هُم شركاءُ الخفاء؟ ورئيسُ الحكومةِ السابق، كان يصِفُهم بالتّماسِيحِ والعفاريت.. فمن هؤلاء؟ - من هُم المُتواطئون مع ثلاثِ حكوماتٍ قادَها حزبُ "تُجّار الدّين"؟ أولاءِ شاركوا في تَقهقُرنا، على الصعيدِ العالمي؟ ولماذا كانت الشراكة؟ وما المصالحُ المُتبادَلة؟
ومتى تكُونُ المحاسَبة؟
أليس الدستورُ يَربطُ المسؤوليةَ بالمحاسَبة؟
ثلاثُ حُكوماتٍ مُتعاقِبةٍ منذ دستور 2011 تَسبّبت في كوارثَ اجتماعية، وسلسِلة احتجاجات، وتراجُعات حقوقية، وفي انتفاضة "المقاطعة" التجارية لمنتُوجاتٍ مَغشُوشة..
وإلى الآن، ما زالت البلادُ جاثمةً على بُركان، بسببِ حماقاتِ حكوماتِ تُجارِ الدين..
وهذا لا يعني أن الحكومات التي سبقَتها كانت أحسنَ منها تَدبيرًا.. كل حكوماتِ أحزابِ ما بعد الاستقلال ساهمَت في تفقيرِ وتَجهيلِ البلد: لا تعليم، لا صحة، لا شُغل، لا حقوق، لا أُفُق.. ووَحدَها الرشوةُ سيّدةُ المَوقف.. - وهذا هو رصيدُ الأحزابِ الحاكمة..
لا فرقَ بين يميني ويساري ووَسَطِي ومن يُتاجرُ في دينِ الله.. كلّ الأحزاب باعت واشتَرت في عبادِ الله، صالحين منهم وطالِحين..
الرّصيدُ سَلبِي، ردِئ، سيّئ، ولَم يُمَكّن بلدَنا من أيةِ خُطوةٍ إلى الأمام.. كلّها تراجُعات..
وهذا واقعُنا..
وليس عَيبًا أن نكُونَ صُرحاءَ في تشريحِ واقعِنا الحُكومِي الحِزبي منذُ الاستقلالِ إلى الآن..
بلادُنا تَراجعت على كلّ المُستويات، رغمَ أنها تَملكُ من الثرواتِ الطبيعية ما يؤهّلُها لأن تكونَ في مصافّ الدول الصّاعِدةِ اللاّمعة..
واليوم ونحن في مؤخرة العالم على صعيد الحقوقِ الاجتماعية، وخاصة في التعليم والصحة والشّغل والعدالة، يجبُ علينا إعادة النظر جُملةً وتفصيلاً في جُلّ الأحزاب التي يُقالُ إنها سياسيّة، وفي الواقع ما هي إلا انتهازيّة، وشريكة لأباطرة المال، والتّهريب.. - ومعها أباطرةُ الرّشوة، وسماسرةٌ واقفُون بأبوابِ القضاء والمُحافَظةِ العَقارية ومُختلفِ مؤسسات الحكومة..
والحكوماتُ التي قادَها "تُجّارُ الدين" لم تُغرقنا فقط في الدّيون، ولا فقط في إفساد البلاد، وفي زجرٍ وقمعٍ بلا حُدود.. لقد أغرَقَتنا أيضًا في قوانينَ مُخالفةٍ للدّستور، وللمواثيقِ الدولية، وتَسبّبَت في مَساسٍ بالحُقوق.. - حكومةٌ استِبداديةٌ قد عمّقت جِراحَ البلد..
وما زالَ استِبدادُها بلا حدود..
وتُجّارُ الدّين يَنقَلبُون على الدّين.. يَركبُون على الرسالةِ الدّينيّة.. ويَستغِلّون كتابَ الله، لتَسيِيسِ الدّين.. وتَحوِيلِه إلى مُؤسّساتٍ وتنظِيماتٍ وسياسات.. وإلى أوكارٍ للفَسادِ العامّ..
والاستِغلالُ الدّيني ما هو إلاّ استِغلالٌ للمُتَديّن..
ومِنَ الدّين يَصِلون إلى المُتديّن..
إنهُ استِغلالٌ للإنسان.. ولعامّة الناس.. وللاقتِصادِ الوَطنِي.. والمَصالحِ العُليا للبلد..
هو ذا غَسلٌ الأدمِغة.. وتَخدِيرُ العُقول.. وتحويلُ الدّين إلى تهريج.. وإلى استراتيجيّة لإشاعةِ الشّعوذةِ السياسية.. وفُلكلُورِ التّخرِيف.. والإيديُولُوجيا التّخدِيرِيّة! - وبإيجاز.. هل الانتخاباتُ مُمكِنة؟ أو مُستحِيلة؟
وماذا لو أقدَمَت الجهاتُ العُليا على فكّ ما تبقّى من "شَفَراتٍ" ورُموز؟ ما المانِعُ في الإفراج عن المعتقلين السياسيين؟ وإعلانِ المُصالحةِ مع الرّيف؟ والقيام بمُبادرةٍ انفراجية؟ ألا تُساهمُ الأجوبةُ في تهدئةِ الأجواء؟
وماذا قد يقعُ إذا استمرّت الأطرافُ المَعنيّة، كلٌّ في مَوقفِها؟ ألا يكُون الحالُ في شدّ وجَذب؟ ألا ينتهي الأمرُ بقطعِ الحَبل؟
ولماذا إيلاءُ الأسبقيةِ للانتخابات؟ لِمَ لا تكونُ البِدايةُ بحُرّيةِ المُعتقَلين؟
وما السّرّ في تَشبّثِ "سُلطةِ الخفاءِ" بهذه الأحزاب المَطعُون شعبيّا في نزاهتِها؟
أليست هناك صِيغةٌ أخرى للانتِخابات؟
أسئلةٌ تقودُ إلى أخرى.. والحَبلُ ما زالَ بين شَدّ وجَذب.. - حَبْلُ المُعتقَلِينَ السّياسيّين لم يَنقَطِع!
[email protected]