من أبي رقراق إلى مارينا طنجة.. من "يَهب" أراضي الدولة المغربية لجشع شركات العقار الإماراتية؟
خلال الأيام الماضية، كان موضوع البنايات المقامة بفضاء الميناء الترفيهي "مارينا طنجة" حديث سكان مدينة البوغاز، بعدما رأى الكثيرون أن الأمر يتعلق بمحاولة جديدة لجعل الإطلالة البحرية المتوسطية للشاطئ البلدي امتيازا حصريا للأثرياء الذين سيملكون شققا أو سيحجزون غرفا فندقية بهذا الفضاء، مقابل إغلاقها بالآجر والإسمنت أمام باقي سكان وزوار المدينة، ما دفع بعضهم إلى المطالبة بهدم المشروع برمته.
لكن الأمر قد لا يكون بهذه السهولة، فهو لا يتعلق بمجرد بنايات ضمن مشروع سكني يزعج منظره الكثير من سكان مدينة طنجة، وإنما بواحدة من أهم نقاط الشبكة الاستثمارية الشاسعة لشركة "إيغل هيلز" الإماراتية الموجود مقرها في أبو ظبي، والتي لا تدخل المغرب إلا وهي حائزة على دعم مباشر وعلني من محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي شخصيا، وهو الأمر الذي حدث خلال حضوره توقيع مذكرة لتفاهم بينها وبين وكالة تهيئة ميناء طنجة المدينة، أمام أنظار الملك محمد السادس.
بنايات طنجة.. القصة الكاملة
وأمام سيل التعليقات التي تلت انتشار صور المشروع، كان لا بد أولا من معرفة حقيقة ما يجري من مصادر رسمية للتحقق من مدى قانونية أشغال البناء التي تتم بالمنطقة، وهو الأمر الذي حصلت "الصحيفة" بخصوصه على معلومات من مصادر حكومية، والتي أكدت أن السند القانوني للمشروع يرجع إلى المذكرة الموقعة بالقصر الملكي بالدار البيضاء بتاريخ 17 مارس 2015 بين محمد العبار، العضو المنتدب لشركة "إيجل هيلز" ومحمد أوعنايا الرئيس المدير العام لوكالة إعادة تهيئة ميناء طنجة المدينة.
وانطلاقا من ذلك تكفلت الشركة الإماراتية بالمشروع الحضري لمارينا طنجة، والذي يشمل العرض العقاري الذي يتضمن إقامات سكنية فخمة مكونة من طابق أرضي و3 طوابق علوية، وهي موضوع الجدل الحالي، بالإضافة إلى فندقين من فئة 5 نجوم ومركب تجاري ضخم، كل ذلك سيتم إنجازه فوق فضاء شبيه بـ"شبه الجزيرة" بحيث يحيط به البحر من 3 جوانب، وتصل قيمة الاستثمارات المودعة فيه ما يقارب 450 مليون دولار.
وبخصوص الترخيص للمشروع فالأمر، وفق ما عاينته الصحيفة بعين المكان وبتأكيدات من المشرفين على الورش، فيعود تاريخه إلى 15 مارس 2019 تحت رقم 75 / GP / 2019، استنادا إلى تصميم جرى نشره قبل بداية الأشغال بموقع المشروع، حيث تبدو البنايات المثيرة للجدل واضحة في "الماكيت"، لكنها لن تكون سوى الخطوة الأولى في طريق إنشاء بنايات أخرى كلها تقع تحت إشراف الشركة الإماراتية ضمن مشروع أكبر يسمى "طنجة واترفرونت".
حُظوة "إيغل هيلز"
لكن المثير في الأمر ليس هو مشروع "مارينا طنجة" وحده، وإنما قدرة "إيغل هيلز" على بسط أجنحتها على أهم المشاريع العقارية ذات الطابع السياحي في المغرب، وهي المؤسسة التي لم تر النور إلا سنة 2014، مزيحة عن طريقها جميع الشركات المغربية المستثمرة في المجال ذاته.
ففي اليوم نفسه الذي وقعت فيه المذكرة المتعلقة بمشروع طنجة، جرت فيه أيضا مراسيم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الشركة الإماراتية ووكالة تهيئة ضفتي وادي أبي رقراق.
شهران فقط بعد ذلك، وتحديدا في ماي من سنة 2015، سيجري التوقيع على اتفاق يهم تفويت 14 في المائة من رأسمال شركة باب البحر للتطوير، وهو الاسم الجديد لـ"مارينا موروكو" بالرباط، لصالح "صندوق إيغل هيلز أبوظبي"، الذي يحمل صفة عضو جمعية المساهمين في الشركة، بـ50 في المائة من خلال شركة "المعبر الدولية" من طرف وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، وهو الأمر المذكور في الموقع الرسمي للحكومة المغربية.
وتملك "إيغل هيلز"، إلى جانب استثمارها في مارينا طنجة، 4 مشاريع عقارية أخرى، ويتعلق الأمر بمشروع "الرباط سكوير" بحي "دار السلام" المكون من 12 بناية سكنية تتوزع عليها 104 شقق فاخرة إلى جانب مجموعة من الفضاءات التجارية والترفيهية، ثم مشروع "فيرمونت" بمارينا سلا، أيضا، والمكون من فندق مطل على "مارينا" يضم 186 غرفة وجناحا إلى جانب إقامات تضم 88 شقة فاخرة، ومشروع مارينا أبي رقراق على ضفتي الرباط وسلا، وأخيرا مشروع "الباهية بلانكا" بخليج تمودة بضواحي تطوان، والمكونة من 40 فيلا مطلة على البحر ومتنزه شاطئي.
مشاريع ضخمة ومشاكل عديدة
لكن الحضور الإماراتي الطاغي في المشاريع العقارية الكبرى بالمغرب، لا ينحصر في استثمارات مؤسسى "إيغل هيلز" فقط، فالأمر بدأ منذ الألفينات من خلال "سما دبي" المشاركة في مشاريع تهيئة ضفتي نهر أبي رقراق، وهو المكان الذي يعرف إنزالا إماراتيا خاصة بواسطة صندوق "وصال كابيتال" التي تعد الإمارات أكبر المساهمين فيه والذي يتجاوز إجمالي استثماراته الملياري دولار، وفي طنجة أيضا يحضر الإماراتيون بقوة في المشاريع العقارية الجديدة حتى تلك الموجودة خارج الميناء الترفيهي، فمؤخرا ارتبط اسم إحدى الشركات الإماراتية بقوة بمشروع إنجاز أعلى برج بالمدينة بمنطقة "مالاباطا"، وهو المشروع الذي لا زالت تفاصيله طي الكتمان.
لكن التمويل الإماراتي لهذه المشاريع، بما فيه ذاك القادم من جهات مقربة من سدة الحكم بهذه الدولة الخليجية، لا يعني بالضرورة ضمان نجاحها أو حتى اكتمالها، فأوراش "سما دبي" مثلا في الرباط شهدت العديد من فترات التوقف والتأجيل منذ 2007 لدرجة الحديث عن انسحاب المؤسسة من مشاريع ضفتي أبي رقراق، ما دفع وكالة إعادة تهيئة هذا الفضاء إلى الخروج مرارا وطمأنة الرأي العام بخصوص إتمامها.
وحتى مشاريع "إيغل هيلز" لم تنجُ من المشاكل أيضا، ففي أكتوبر من سنة 2019 اضطرت المؤسسة الأم إلى تغيير إدارة فرعها بالمغرب بسبب عدم قدرتها على تسويق الفضاءات السكنية "فيرمونت" بالرباط، بالإضافة إلى الملاحظات التي تهم مطابقة المباني المنجزة مع التصاميم من حيث الشكل والجمالية، وهو الأمر الذي برز بقوة في حالة مشروع "مارينا طنجة"، الذي وصفه كثيرون بأنه لا يعدو كونه "صناديق إسمنتية" لا تعكس تلك المعلن عنها خلال إطلاق المشروع.
أما مشروع "الرباط سكوير" بحي "دار السلام" فقد شهد العديد من التأخيرات، وعرف "تحايلا" على القانون من طرف الشركة على العديد من المغاربة الذين اقتنوا شققا فاخرة بهذا المشروع، قبل أن يجدوا أنفسهم خارج القائمة، كما رفعت الشركة الإماراتية العديد من المرات في القيمة المالية للشقق مع عدم دفعها تعويضات للزبناء جراء التأخير المتوالي في تسليم الشقق وفق التواريخ المحددة في عقود البيع.
أرقام خيالية وامتيازات كبيرة
وبالاطلاع على قائمة أسعار مشاريع "إيغل هيلز" بالمغرب، يتضح أن الأمر يتعلق بشقق مرتفعة الثمن وذات عائدات ربحية كبيرة، فأقل عرض متاح بفضاء "الرباط سكوير" ويقارب 1,9 ملايين درهم دون احتساب الرسوم الضريبة، ويتعلق بشقة من 96 مترا وبغرفة وحيدة، وترتقع قيمة الشقق تدريجيا لتصل إلى حوالي 5 ملايين درهم دون احتساب الرسوم الضريبية لشقة مساحتها 208 أمتار مربعة ذات 3 غرف.
أما في مارينا الرباط – سلا فإن الأسعار أكبر بكثير، وتبتدئ بأكثر من 3,5 ملايين درهم لشقمة بغرفتين من 130 مترا، وتصل إلى أكثر من 11 مليون درهم لشقة من 5 غرف مساحتها 314 مترا، ودائما دون احتساب الضريبة، في حين يبدأ الحد الأدنى لأسعار الشقق في مشروع "فيرمونت" بحوالي 5 ملايين درهم لشقة مساحتها 130 مترا بغرفتين، ويتجاوز 7,7 ملايين درهم لشقة مساحتها 184 مترا مربعا بغرفتين.
وتطرح هذه الأسعار علامات استفهام حول "الامتيازات" التي تعطى للشركات العقارية الإماراتية في المغرب، والتراخيص "السهلة" التي تستفيد منها، مع الحظوة التي تملكها في المشاريع الضخمة التي تكون الدولة المغربية صاحبتها أو طرفا فيها، إذ تذر هذه التسهيلات مئات ملايين الدولارات كأرباح للشركات الإماراتية.
وحسب مستثمر عقاري تحدث إلى "الصحيفة"، فإن الأمر الأخطر يبقى هو السماح لتلك الشركات بأن تُخرج من المغرب أرباحها عملة صعبة نحو مقراتها الرئيسية في دبي وأبو ظبي، على حساب المنعشين العقاريين المغاربة اللذين يجدون أنفسهم أمام "صعوبات وتعقيدات خانقة" من طرف الوزارات والمؤسسات الوصية في تنزيل أي مشروع عقاري في المناطق السياحية، على خلاف كل التسهيلات التي تمنح للشركات الإماراتية، والتي تنطلق من منح تراخيص البناء وتفويت الأراضي "المُغرية" استثماريا، وتصل إلى فسح المجال أمامهم لتسويق بيع منتجهم العقاري قبل الترخيص لمشاريع منافسة في المنطقة نفسها!.