بعد أن اختار بايدن فريقه.. من هم "صقور" البيت الأبيض المزعجون للرباط في قضية الصحراء
كشف الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، عن هوية عدد من أعضاء حكومته المقبلة، التي تضم على الخصوص أنتوني بلينكن في منصب وزير الخارجية، وجيك سوليفان - أحد أقرب معاونيه - مستشارا للأمن القومي، إضافة إلى بايدن ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة في الأمم المتحدة، وأفريل هاينز رئيسة للاستخبارات الوطنية، كما اختار بايدن، جون كيري ليكون مبعوثا رئاسيا خاصا لقضايا المناخ.
في خضم هذه التشكيلة المخضرمة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لتكون الورقات الرابحة داخل البيت الأبيض، يطرح السؤال في الرباط عن أصدقاء المملكة المغربية في الإدارة الأمريكية، وهل ستكون السنوات الأربع القادمة "هادئة" أم ستمر بشكل "عاصف" كما هو الحال مع الولاية الثانية للرئيس الديمقراطي، باراك أوباما في البيت الأبيض حينما دعت إدارته، سنة 2013 إلى توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة "مينورسو" في الصحراء، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو ما أزعج الرباط، وأدى إلى إلغاء مناورات "الأسد الإفريقي" بين الجيش الأمريكي، والقوات المسلحة الملكية، التي تجرى سنويا في الجنوب المغربي.
ومع انتهاء فترة "البرود الغير مُزعج"، بين الرباط وواشنطن، خلال ولاية دونالد ترامب، يبدو أن التعامل مع إدارة بايدن لن يكون "خالٍ" من المطبات المزعجة، خصوصا في قضية الصحراء.
مَرَدُّ هذا "اللاّ تَفاؤل" يعود إلى الأسماء التي أعلن عنها بايدن داخل إدارته، وستكون بمثابة الصقور داخل البيت الأبيض، حيث خلفياتهم السياسية (قد) لا تتناغم مع مصالح الرباط، خصوصا وأن العديد منهم له سوابق تدل على ذلك.
أوباما.. ظل بايدن
وحسب العديد من المحللين السياسيين في كبريات الصحف الدولية، فإن الرئيس الأمريكي السابق، بارك أوباما، سيكون بمثابة "ظل بايدن" كما وصفته صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير لها، وهو الرجل الذي لم تكن على عهده العلاقة بين الرباط وواشنطن في أحسن أحوالها، كما أن الديمقراطيين على عهده كانوا مناوئين دائما للمغرب في مجلس النواب، وما كان يُحدِثُ التوازن للرباط هو الأغلبية التي كان يتوفر عليها الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذين كانوا تاريخيا يميلون للدفاع على المصالح المغربية، بفعل اللوبي اليهودي المغربي القوي في هذا الحزب.
وإن كان باراك أوباما سيكون بمثابة العراب لجو بايدن، فإن الرئيس الأمريكي المنتخب المنتخب نفسه، كان داعما لجبهة البوليساريو حينما كان عضوا في الكونغرس لسنوات طويلة، بالرغم من الود الكبير الذي أظهره للمملكة خلال زيارته لمراكش في 2011 بصفته نائبا للرئيس السابق باراك أوباما، من أجل المشاركة في القمة العالمية لريادة الأعمال، ولقائه الملك محمد السادس، حيث وصف هذا اللقاء بـ"الودي".
ومنذ ذاك الحين، بدأت مواقف جو بايدن تلين اتجاه المصالح المغربية خصوصا في قضية الصحراء، وهو ما جعل الرباط تفتح قنوات خاصة للتعاون معه، حيث كشفت صحيفة "ميركوري نيوز" الأمريكية، في يونيو الماضي، أن حملة جو بايدن للانتخابات الرئاسية، رفضت دعما ماليا من طرف جماعة ضغط تسمى "ثورد سيركل" وتمثل لوبي المغرب وقطر وأذربيدجان في أمريكا، وذلك بعدما اعتبرت أن تلك الأموال "تنتهك" السياسة التي ينهجها المرشح الديمقراطي في الحملة الانتخابية.
وارتكزت حملة بايدن في رفضها للأموال المغربية على ميثاق كان قد اعتمده المرشح الديمقراطي، يشترط أن يكون الدعم المالي من طرف مواطنين أمريكيين أو مقيمين دائمين في الولايات المتحدة، وأن تكون مصدره مالهم الخاص وغير محصل عليه من جهة أخرى.
جون كيري.. أحد الصقور التي سبق أن "أزعجت" المغرب
من بين الصقور في الإدارة الأمريكية الجديدة، الذي سيكون له تأثير كبير على الرئيس الأمريكي المنتخب، نجد جون كيري الذي اختاره بايدن ليكون مبعوثا رئاسيا خاصا لقضايا المناخ. وبالرغم من أن المنصب ظاهريا سيكون بعيدا عن الملفات الدولية الشائكة، إلا أن المراقبين في الولايات المتحدة يرون أن وجود كيري سيكون بمثابة المستشار الخاص للرئيس في الشؤون الدولية بحكم خبرته حينما كان وزيرا للخارجية.
ويرتبط جون كيري في ذهن المسؤولين المغاربة، بوصوله إلى رأس وزارة الخارجية الأميركية سنة 2013 حيث كان وراء دعم قرار توسيع مهمة "المينورسو" في الصحراء لتشمل حقوق الإنسان، وهي ذات الخلفية السياسية لقضية الصحراء التي كان يجرها معه منذ كان عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي، حيث عُرف بدفاعه الكبير عن جبهة "البوليساريو" الانفصالية.
وشهد صعود كيري إلى رأس الدبلوماسية الأمريكية سنة 2013 "صداما عنيفا" بين الرباط وواشنطن، بعدما وضعت وزارة الخارجية الأمريكية عبر بعثتها بمجلس الأمن مشروع قرار للدول الأعضاء لمد ولاية مهمة الأمم المتحدة في الصحراء "مينورسور" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو ما جعل المملكة تلغي مناورات "الأسد الأفريقي" التي يشارك فيها 1400 عسكري أميركي و900 عسكري مغربي، وتشمل المناورات عمليات برمائية ولحفظ السلم وتموينا جويا وأيضا التحليق على علو منخفض، وتجرى بالجنوب المغربي.
هذا الصدام على عهد كيري، تلته بعد أشهر قليلة زيارة للملك محمد السادس إلى واشنطن بتاريخ 23/11/2013 حيت التقى بالرئيس الأمريكي، باراك أوباما في البيت الأبيض، صدر بعدها بلاغ دعم من الرئاسة الأمريكية، لخطة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل قضية الصحراء، حيث وصفها بلاغ البيت الأبيض بأنها "جدية وواقعية وذات مصداقية"، وأضاف البلاغ أن هذه الخطة "تمثل مقاربة ممكنة يمكن أن تلبي تطلعات سكان الصحراء لإدارة شؤونهم في إطار من السلام والكرامة".
وبعد خمسة أشهر من هذه الزيارة، قام كيري بزيارة إلى المغرب، حيث التقى الملك محمد السادس، وعبّر عن دعم بلاده لمسلسل الإصلاحات التي أقرتها المملكة في أعقاب الربيع العربي، عبر تبني دستور جديد في صيف 2011.
أنتوني بلينكن
بالعودة إلى الأسماء التي أعلنها بايدن لتكون صقورا في إدارته، وستحمل أهم الملفات الحارقة دوليا، نجد وزير الخارجية، أنتوني بلينكن البالغ من العمر (58 عاما)، الذي يُعتبر من الدبلوماسيين المتمرسين، كما أنه أحد مستشاري بايدن على مدى سنوات.
وبدأ بلينكن مساره على عهد حكومة بيل كلينتون ثم تولى منصب المسؤول الثاني في وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بين عامي 2015 و2017، وبالتالي، فهو خبير في العلاقات الدولية، وليس رجل الصفقات كما هو حال وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو.
ويعرف على الرجل حنكته الديبلوماسية ونظرته العميقة للمشاكل الدولية، حيث لا يتوقع أن تكون سياسته اتجاه المملكة "صاخبة"، كما أنه من المنتظر أن تلعب وزير الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، والتي تتمتع بخبرة ونفوذ كبير داخل الديمقراطيين دور "المخفف للصدمات" داخل الإدارة الأمريكية، بحكم علاقتها الخاصة مع الملك محمد السادس، وارتباطها بالمغرب الذي تزوره بانتظام وتدافع عن رؤيته في قضية الصحراء.
- جيك سوليفان
لن "يكون أسوأ من جون بولتون". هذا هو الانطباع الأولي عند الساسة في المغرب حول مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، الذي اختاره جو بايدن ليكون ذراعه الأمني في القضايا الكبرى.
جيك سليفان، المحامي الذي ولد في 1976، بمدينة برلينغتون في ولاية فيرمونت الأمريكية، حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة ييل، ودرجة الماجيستير من جامعة أكسفورد، حيث عمل مستشارا للسياسة الداخلية لبايدن، ولديه خلفية واسعة في السياسة الخارجية، كما أنه عمل مستشارًا للأمن القومي لبايدن خلال الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما.
ويعتبر جيك سليفان من "مدرسة هيلاري كلينتون"، حيث سبق أن شغل منصب رئيس التخطيط السياسي ونائب رئيس موظفيها عندما كانت وزيرة للخارجية، كما عمل مستشارا للسياسات في حملة هيلاري كلينتون الرئاسية عام 2016.
وتصفه الصحافة الأمريكية بأنه الرجل الذي يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية ينبغي أن تتبع خطًّا متوازنًا في كافة الملفات، وأن تتجنب سياسة الصدام التي اتبعها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وعليه، يصعب توقع أن يكون جيك سليفان "مزعجا" للرباط في ملف الصحراء على خلاف جون بولتون المحافظ الذي كان يتبنى العديد من النظريات "القاتلة" في رؤيته للخلافات الدولية، جعلت دونالد ترامب يضجر منه ويطرده خارج البيت الأبيض.
ومن المتوقع أن تكون علاقة الرباط وواشنطن على عهد جو بايدن "هادئة"، تطبعها المصالح المشتركة خصوصا وأن العديد من الأحداث الدولية، و"الخسائر" التي تركها دونالد ترامب خلفه على المستوى الدولي ستكون عاملا مساعدا للرباط في أن تتعامل مع صقور وحمائم البيت الأبيض بمنطق رابح - رابح في ظل وضعية دولية معقدة، واقتصاد "مريض" خلفته جائحة كورونا، ومنطقة شمال إفريقية تحتاج لاستقرار أكثر من خلق صراعات فائضة.