عقد "ألزا – الدار البيضاء".. هكذا ظفرت شركة النقل الإسبانية ببنود على المقاس تضمن لها أرباحا خرافية
استكمالا لسلسلة التحقيقات الذي سبق أن نشرت "الصحيفة" أول جزأين منها سابقا، حول الاختلالات التي تورطت فيها شركة النقل الإسبانية "ألزا" في عدد من المدن المغربية، نواصل الوقوف على جملة من علامات الاستفهام المطروحة حول طبيعة نشاط هذا الفاعل في مجال النقل الحضري و"الحظوة" التي ينعم بها في أكبر مدن المملكة، وهذه المرة من خلال العقد الذي يربطه بمدينة الدار البيضاء والذي بدأ تنزيله على أرض الواقع مؤخرا.
ومن بين الفصول الغامضة لعقد شركة "ألزا" الإسبانية، الخاص بمدينة الدار البيضاء، نجد عدم احترام بنود القانون 13/31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، وكذلك قانون التدبير المفوض للقطاعات العمومية رقم 54/05 ومنها قطاع النقل الحضري وشبه الحضري والذي يقضي بإجبارية نشر عقد التدبير، وهو الشيء الذي لم يتم الامتثال له، حيث لم تعمد الجماعات الترابية للدار البيضاء إلى نشر دفتر التحملات والاتفاقية التي تربطها بشركة "ألزا" الإسبانية إجبارا، سواء في الجريدة الرسمية أو في موقعها الإلكتروني أو في أي وسيلة أخرى للنشر.
استمرار مسلسل "الحظوة"
غير أن "الصحيفة"، واستمرارا في سلسلة تحقيقاتها استطاعت الوصول إلى نسخة العقد وإلى جملة من المعطيات، والتي تفسر بشكل كبير أسباب التكتم على بنود عقد التدبير المفوض الذي يجمع شركة النقل ألزا بمدينة الدار البيضاء عن طريق مؤسسة التعاون بين الجماعات "البيضاء"، إذ يتضح أن العقد تمت صياغة بنوده على مقاس الشركة الإسبانية حيث أصبح من المستحيل أن تستقر الصفقة على أي فاعل آخر في القطاع إلا شركة "ألزا".
وحسب مصادر جماعية تحدثت إليها الصحيفة، فإن بنود العقد تُظهر "الرغبة الأكيدة في إبعاد جميع الفاعلين الآخرين، كما تبين أن الجهة التي صاغت العقد مطلعة بشكل دقيق على وضعية باقي الفاعلين وعلى رأسهم المغاربة، بحيث لن يتمكن أي واحد منهم لا بشكل فردي أو جماعي من الظفر بهذه الصفقة مهما اجتهد في تحسين شروط الحصول عليها".
ونشير هنا إلى أن الفاعلين الذي يبلغ عددهم أربع شركات قاموا بمراسلة رئيسة مؤسسة التعاون بين الجماعات ووالي جهة الدار البيضاء - سطات حول هذا "الإقصاء"، دون أن يتلقوا أي رد أو تفسير يذكر، كما تمت مواجهتهم بلغة صمت من طرف كافة الأطراف المسؤولة على تدبير القطاع بالعاصمة الاقتصادية، وتتوفر "الصحيفة" على نسخة من رسالة جمعية أرباب شركات النقل الحضري التي تشير إلى هذا الأمر.
ففي سابقة من نوعها في تاريخ التدبير المفوض لقطاع النقل الحضري وشبه الحضري بالمغرب تقوم الجماعات الترابية للدار البيضاء بتحمل تكاليف شراء أزيد من 350 حافلة فيما تعهدت ألزا باقتناء 350 حافلة أخرى وفقا لما صرحت به لوسائل الإعلام، لكن الذي تبين فيما بعد أن تصريحات ألزا لم تكن صحيحة، حيث ظهرت مجموعة من المغالطات والتي نعرض لتفاصيلها في هذا التحقيق.
استثمارات الشركة تتحملها المدينة
فمن خلال القراءة الدقيقة لبنود العقد الذي يربط بين شركة ألزا ومؤسسة التعاون بين الجماعات في الدار البيضاء، وهي الجهة المفوضية يتبن، كما ورد في الصفحتين 52 و53، بأن الجماعة تتحمل مصاريف تدبير شركة النقل الحضري ألزا للقطاع، فنجد ضمن هذه التكاليف مصاريف الاستغلال بما فيها الأجور والمحروقات والصيانة والتجهيزات والدراسات وغيرها من المصاريف.
كما يُظهر العقد أن الفاعل الإسباني بإمكانه أن يضع ما يحلو له، بالثمن الذي يريد، لأن بنود العقد فضفاضة خاصة في النقطة المتعلقة بالتكاليف، ما عدا المحروقات والصيانة وقطع الغيار تظل ألزا غير ملزمة بالإعلان في تقريرها المالي السنوي عن العقود التي تفوق قيمتها 100 مليون درهم، حسب ما جاء في الصفحة 46 من العقد.
ويظل المواطن المغربي محروما من الاطلاع على التقرير المالي السنوي لشركة ألزا بسبب عدم نشره بالرغم من إجبارية ذلك.
والمثير أن كل هذا يجري دون أن تعمد السلطات المفوضة إلى القيام بأي شكل من أشكال المراقبة والافتحاص للتدبير المالي والإداري والميداني، رغم جميع ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات التي نبهت إلى سوء تدبير الشركة بعدد من المدن المغربية، وفق ما تتوقعه مصادر الموقف "فلن تكون الوضعية مختلفة في الدار البيضاء خاصة وأن الشركة الإسبانية تحظى بمحيط دعم واسع وسخاء كبير من المال العام".
وتتوالى البنود المثيرة للاستغراب التي يتضمنها العقد، حيث ينص على أن مدينة الدار البيضاء ستدفع قيمة وفوائد القرض الذي قامت ألزا بالحصول عليه من الأبناك المغربية، من أجل تمويل اقتناء أسطول الحافلات التي كان من المفروض أن تقتنيها الشركة من استثماراتها التعاقدية مع المدينة.
وكخلاصة لكل ذلك، يتضح أن المدينة ستدفع جميع مصاريف تدبير قطاع النقل الحضري والشبه الحضري بشكل مباشر أو غير مباشر، فأي درهم تصرفه "ألزا" على القطاع تعوضه الجماعة لها شهريا، حيث إن "ألزا" لا تتساهل في أرباحها، ونذكر هنا الرسالة التي سبق وأن بعثت بها إلى المدينة مطالبة بتعديل العقد تحت طائلة التهديد بالانسحاب من الخدمة، إذا لم تتم الاستجابة إلى مطالبها.
وترى مصادر جماعية تحدثت إلى "الصحيفة" أن هذا العقد الذي يجمع بين مؤسسة التعاون الجمعي "البيضاء" و"ألزا" يعد "خرقا سافرا لروح قانون التدبير المفوض، إذ لا أحد يخول للمجالس المنتخبة أن تصنع نظام تدبير، الذي لا علاقة له بما هو معمول به في جميع الجماعات الترابية الأخرى على المستوى الوطني"، مذكرة بأن المادة 24 من قانون التدبير المفوض التي عنوانها "المسؤولية والمخاطر" تنص على ما يلي "يدبر المفوض إليه المرفق المفوض على مسؤوليته ومخاطره ويشمله بالعناية اللازمة".
بنود تضمن أرباحا خرافية لألزا
وللتذكير، فإن جماعة الدار البيضاء قامت بتمويل صفقة شراء 700 حافلة من المال العام في حين اكتفت "ألزا" بدور الوسيط بين الأبناك ومصانع الحافلات الأجنبية، وهذا أمر غير مسبوق في تاريخ الصفقات العمومية بحيث يتم تمويل استثمارات المفوض له في قطاع النقل الحضري والشبه الحضري من أموال الجماعة.
والغريب أن منتخبي المدينة قبلوا بهذا العقد الاستثنائي وصادقوا عليه، على الرغم من تضمنه لنظام يسمى "نظام التكاليف الجزافية – forfait de charges" والذي يكلف ميزانية المدينة والجماعات الترابية من 700 إلى 800 مليون درهم سنويا من الأموال العمومية.
ولتوضيح الرؤيا، فإن شركة النقل "ألزا" بموجب ردها الرسمي على طلب العروض، والذي خول لها الحصول على الصفقة، التزمت باستثمار قدره 80 مليون درهم على مدى عشر سنوات، وهي مدة العقد الذي يجمعها مع المدينة، وهو ما قد يعتبره البعض مبلغا كبيرا، ولكنه ليس كذلك على الإطلاق.
وضمنت شركة ألزا لنفسها أرباح عالية، وذلك في إطار النظام الجزافي المذكور، والذي يخدم عمليا مصلحة ألزا بالأساس، من خلال تمرير بعض البنود التي تلزم المدينة بدفع 100 مليون درهم سنويا للشركة كحصة تعويضية، الأمر الذي يعني أنه في ظرف السنة الأولى من تواجدها بمدينة الدار البيضاء ستكون ألزا قد استردت مبلغ الاستثمار الذي التزمت به وزيادة.
وبذلك تكون ألزا وفي ظرف عشر سنوات قد استطاعت تحقيق أرباح ضخمة تقدر بـ100 مليون درهم سنويا على مدى عشر سنوات، وهو ما يساوي إجمالا 10 ملايير درهم، وهو 13 مرة المبلغ الذي تعهدت باستثماره عند حصولها على صفقة تدبير القطاع بالدار البيضاء.
وخلاصة القول إن مدينة الدار البيضاء قامت بشراء 350 حافلة وكلفت شركة ألزا بعملية اقتناء هذه الحافلات، كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك في تحقيق سابق، وذلك من خلال اتفاقية للتمويل بمبلغ 1,1 مليار درهم، 900 مليون درهم من هذا المبلغ مدفوعة من طرف صندوق دعم إصلاح النقل الحضريFART، و100 مليون درهم مدفوعة من طرف الجماعة الترابية للدار البيضاء، إضافة إلى 100 مليون درهم مدفوعة من طرف جهة الدار البيضاء- سطات.
أما بخصوص 350 حافلة المتبقية والتي التزمت ألزا باقتنائها فقد تم تمويلها من طرف قروض حصلت عليها الشركة من الأبناك المغربية، إلا أننا نعيد التذكير هنا بأن ألزا لن تدفع ولو درهما واحدا من تكلفة هذه الحافلات، حيث أن مدينة الدار البيضاء هي التي ستدفع قيمة القرض وما يترتب عليه من فوائد، ما يعني أن كل استثمارات ألزا ستكون مجرد تمويلات بنكية والجماعات الترابية هي التي تؤدي أقساط القروض بشكل غير مباشر.
والأدهى من ذلك هو أنه عند نهاية العقد الذي يجمع المدينة بالشركة، فتلك الحافلات التي تعتبلر ألزا أنها مولتها من القروض التي أخذتها وسددتها، والتي تعد كأموال استرداد، يتوجب على المدينة من جديد أن تؤدي ثمنها لفائدة شركة النقل ألزا إن هي أرادت استردادها، وبذلك تكون المدينة قد أدت ثمن الحافلات مرتين.
لعب على حبل الأرقام
إن كل ما تمت الإشارة إليه سابقا يتعلق بشق المصاريف والاستثمار، ولننتقل الآن للحديث عن شق المداخيل، فشركة ألزا التزمت من خلال جوابها على صفقة الدار البيضاء بمبلغ من المداخيل بناءً على فرضية تقوم على أساس 65 مليون راكب سنويا و400 حافلة، وتعريفة حددت في خمس دراهم، وكل هذه التعهدات تم التنصيص عليها في العقد.
وفي حال ما إذا تجاوز عدد الركاب الرقم المتوقع تسجيله سنويا والذي حدد في 65 مليون راكب، فكل ما زاد عن ذلك يعتبر ربحا إضافيا تقتسم ألزا عائداته مع المدينة، فإذا حققت شركة النقل ألزا ربحا إضافيا ما بين 100 بالمائة و102 بالمائة فإنها تحصل على 70 بالمائة من الأرباح، وإذا فاقت نسبة الربح الإضافية 102 بالمائة، فإنها تحصل على خمسين بالمائة من قيمة الربح.
لكن ألزا، وفي خطوة تبرز "دهاءها" وفق تعبير مصدر جماعي، عملت على خفض عدد الركاب المتوقع تسجيله سنويا إلى 65 مليون راكب، وهذه الأرقام المقدمة من طرف الشركة تمت المصادقة عليها من طرف مؤسسة التعاون بين الجماعات (transport CASA) والتي تعتبر الخبير الأساسي والممثل لمؤسسة التعاون بين الجماعات في العقد وفي كل ما يتعلق بالنقل الحضري والشبه الحضري بالدار البيضاء، وذلك بالرغم من أن الفاعل السابق للنقل الحضري والشبه الحضري بالدار البيضاء، سبق وأن صرح في عدد من المناسبات أن الرقم الحقيقي المسجل هو 108 راكب سنويا.
ففي الوقت الذي ينص العقد على أن تعريفة جميع الرحلات قد حددت في خمس دراهم، فقط لا غير، خرج عزيز العماري عمدة المدينة بتصريحات يوم الخميس 11 فبراير 2021 يقول فيها إن أسعار التذاكر داخل المجال الحضري حددت في خمس دراهم، وست دراهم للرحلات التي لا تتجاوز 30 كيلومتر، فيما تم تحديد تعريفة الرحلات التي تفوق 30 كيلومتر في 8 درهم..
أما آخر معيار لاحتساب الأهداف التعاقدية لمداخيل ألزا فهو عدد الحافلات والتي في جوابها الرسمي على طلب عروض المدينة حددت في 400 حافلة، إلا أن الواقع يشير إلى 700 حافلة تم تمويل نصفها بشكل مباشر ونصفها الآخر بشكل غير مباشر من طرف المدينة أي من المال العام.
فالاختلافات والفروق ما بين الأرقام الحقيقة في أرض الواقع، والافتراضية المنصوص عليها في العقد، مكنت ألزا من أن تضاعف أرباحها، إذ بالنسبة لأسطول الحافلات فقد تم تمويله من طرف المدينة وتعريفة التذاكر تم إحداث تغييرات فيها بالمقارنة مع ما هو في العقد، كل هذا مكن ألزا من تحقيق أرباح كبيرة سيتم تحويلها إلى حسابات ألزا بالعملة الصعبة في الأبناك الإسبانية.
ولكل ذلك ترى المصادر الجماعية التي خاطبت "الصحيفة" أن مدينة الدار البيضاء تكون "قد ساهمت في صنع نظام جديد لتدبير قطاع النقل الحضري والشبه الحضري لا علاقة له بقانون التدبير المفوض الساري المفعول في جميع المدن المغربية، وتكون أيضا قد ساهمت في إغناء ألزا الإسبانية وتخريب مالية المدينة".
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :