بعد أن أفرجت عن أرشيفها الاستعماري.. هل تَكشِف الوثائق الفرنسية عن أسرار اقتطاع الصحراء الشرقية من المغرب لصالح الجزائر؟
شرعت فرنسا عمليا، يوم أمس الأربعاء 10 مارس 2021، في إجراءات رفع السرية عن الوثائق الخاصة بالفترة الاستعمارية في الجزائر والثورة التي أدت لاستقلال هذا البلد، وذلك بعدما أمر الرئيس الفرنسي إدارة الأرشيف بتقليص الفترة العادية لخروج الوثائق المدرجة تحت بند "أسرار الدفاع الوطني" في إطار مبادرة "مصالحة الذاكرتين الفرنسية والجزائرية"، وهو الأمر الذي يُحتمل أن يكشف جوانب خفية لعملية ضم أراضي الصحراء الشرقية المغربية للحدود الجزائرية من طرف الإدارة الاستعمارية.
وتأتي هذه الخطوة بعد 4 سنوات من التفاوض مع الجزائر من أجل تصفية التركة الاستعمارية، حيث يدعوا الجزائريون لتسليمهم الأرشيف الخاص بالفترة الاستعمارية واستعادة رفاة المقاومين الجزائريين وكشف مصير المفقودين خلال الثورة التي امتدت ما بين 1956 و1962 والذين يزيد عددهم عن 2000 شخص، مع إقرار تعويضات لضحايا التجارب النووية التي أجريت في الصحراء الجزائرية ما بين 1960 و1966.
وبدأ التفاعل العملي للرئيس الفرنسي مع مشروع "مصالحة الذاكرتين" الأسبوع الماضي، حين اعترف بأن المحامي الجزائري علي بومنجل، أحد مقاومي الاستعمار المتوفى سنة 1957، تعرض للتعذيب والقتل من طرف الجيش الفرنسي، مفندا بذلك الرواية الفرنسية السابقة التي كانت تزعم أنه انتحر بإلقاء نفسه من أحد المباني، لكنه في المقابل لم يتجاوب مع مطالب "الإقرار بالذنب" أو "الاعتذار" التي ألحت عليها السلطات الجزائرية.
وفي خطوة جديدة لطي صفحة الماضي أعلن القصر الرئاسي الفرنسي، أول أمس الثلاثاء، أن ماكرون سيتبنى توصيات التقرير الذي أعده في يناير الماضي المؤرخ بنجامين ستورا حول "مصالحة الذاكرتين"، والتي تضمنت الإفراج عن أرشيف الحقبة الاستعمارية دون الإشارة للطلب الجزائري بتقديم "اعتذار رسمي" حول هذه الفترة.
وجاء في بيان صادر عن قصر "الإيليزي" أنه "رغبة من رئيس الجمهورية في الحقيقة التاريخية، استجاب لطلب الباحثين الجامعيين بشأن تسهيل الوصول إلى وثائق الأرشيف، التي مر عليها 50 عاما"، وأضاف أن قرر السماح لإدارة الأرشيف بإتاحة الوثائق المشمولة بسرّية الدفاع الوطني للعموم، وذلك حتى سنة 1970، خالصا إلى أنه "من شأن هذا القرار تقصير مهل الانتظار المرتبطة بإجراءات رفع السرية، فيما يتعلق خصوصا بحرب الجزائر".
ولا يُعلم على وجه الدقة ما يوجد في هذه الوثائق، لكن المؤكد أنها ستشمل سنة 1950 وهي السنة التي قامت فيها السلطات الاستعمارية باقتطاع الصحراء الشرقية، التي تضم حاليا ولايتي تندوف وبشار، من الأراضي المغربية وضمنها للحدود الجزائرية، وهو ما شكل خرقا لاتفاقية "لالة مغنية" بشأن الحدود الموقعة سنة 1845، التي نصّت بشكل صريح على إبقاء الحدود بين المغرب والدولة العثمانية كما هي دون أي تعديل.
وستشمل الوثائق أيضا الفترة التي تلت هذا الإجراء وما تبعها من مقترحات فرنسية واتفاق مغربي جزائري، إذ في 1957 ومع إقرار فرنسا للنظام الإداري الجديد في الصحراء اقترحت على المملكة المستقلة حديثا التفاوض من أجل استرجاع الصحراء الشرقية مقابل التخلي عن دعم الثورة الجزائرية، وهو الأمر الذي رفضه الملك الراحل محمد الخامس، على اعتبار أن المغرب والجزائر سيحلان مشكلتهما الحدودية بشكل ودي بعد استقلال هذه الأخيرة.
وفي السادس من يوليوز سنة 1961 زار رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، فرحات عباس، الرباط والتقى بالعاهل المغربي ووقع اتفاقا حول المسألة الحدودية جاء فيه نصًا أن حكومته "تعترف أن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة سيُتوصل إلى حل بشأنها عن طريق المفاوضات بين الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية بعد أن تحصل الجزائر على استقلالها".
وكان الملك الحسن الثاني، بعد وفاة والده، قد زار الجزائر المستقلة في 13 مارس 1963 حاملا معه نص الاتفاق على أمل بدء المفاوضات لحسم قضية الحدود وفاءً بالالتزام الموقع إبان الثورة، غير أن الرئيس الجزائري آنذاك، أحمد بن بلة، طلب تأجيل هذا الأمر متعللا بأن بلاده تركز على استكمال بناء مؤسسات الدولة، قبل أن يشن الإعلام الرسمي الجزائري حربا دعائية ضد المغرب تحدثت عن "نواياه التوسعية"، الأمر الذي انتهى إلى نشوب "حرب الرمال" في أكتوبر من العام نفسه.