دراسة إسبانية: المغرب قوة إقليمية صاعدة.. وحسمه لملف الصحراء "تهديد" للوحدة الترابية لإسبانيا
قالت دراسة أكاديمية إسبانية، صدرت مؤخرا، إن المغرب يتجه ليصبح قوة إقليمية في المنطقة، وسيكون قادرا على فرض كلمته على بلدان الجوار وفق مصالحه الخاصة، مشيرا إلى أن إسبانيا هي الخاسر الأكبر في هذه التحولات الجيوستراتيجية التي طرأت على المنطقة بفعل عدة عوامل، أبرزها استراتيجيات المغرب في إفريقيا، وتوجهه نحو التحديث العسكري، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
وركزت الدراسة التي نشرها معهد الأمن والثقافة الإسباني، وأعدها كل من غويلم كولوم بييلا، دكتور في الأمن الدولي، وغييرمو بوليدو، الذي يعد دكتورة في الدراسات الاستراتيجية، وماريو جيلامو رومان، خريجة العلوم السياسية والإدارة، تحت عنوان "المغرب ومضيق جبل طارق والتهديد العسكري على إسبانيا"، على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء كمنطلق للبروز المغربي المتصاعد في المنطقة.
الدهاء المغربي.. واعتراف ترامب
قالت الدراسة الإسبانية المذكورة، إن المغرب كان بارعا في اقتناص سياسة ترامب في الشرق الأوسط، والتي تتعلق بدفع بلدان عربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وانتظر الفرصة المناسبة ليجر الولايات المتحدة الأمريكية للاعتراف بمغربية الصحراء، مقابل استئناف علاقته مع إسرائيل.
ويكمن الدهاء المغربي، وفق الدراسة، أن المغرب في الأصل كان محافظا على علاقاته مع إسرائيل منذ عقود طويلة، خاصة في مجال الاستخبارات، بالرغم القطيعة الديبلوماسية في سنة 2000، وبالتالي، فإن الاعتراف الأمريكي كان في الحقيقة مكسبا للمغرب دون أن يكون المغرب قد قدم مقابلا باهظا، بالرغم من الرفض الداخلي لاستئناف العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل، بسبب القضية الفلسطينية.
وأضافت الدراسة، بأن الإدارة الأمريكية الجديدة، بالرغم من أن بإمكانها سحب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، إلا أن العديد المؤشرات تُلمح إلى استبعاد حدوث ذلك، مشيرة إلى أن الاتصال الأخير لوزير الخارجية الأمريكية مع نظيره المغربي يسير في هذا المنحى. إضافة إلى أن المغرب يُعتبر حليفا مهما للولايات المتحدة، ويوجد تعاون عسكري بين الطرفين، مثل مناورات الأسد الإفريقي المرتقبة في يونيو المقبل.
وأشارت الدراسة، بأنه في جميع الأحوال، فإن المغرب لم يضع "كل بيضه في سلة واحدة"، فهو لم يُعد علاقاته مع إسرائيل بشكل كامل حتى الآن، حيث قرر فتح مكتب الاتصال من جديد في تل أبيب، وهو المكتب الذي كان قائما قبل سنة 2000، ما يعني أنه يضرب لكل مرحلة حسابها.
مكاسب المغرب بعد الاعتراف الأمريكي
قالت الدراسة الإسبانية، أن المغرب حقق عدد من المكاسب بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، منها ما جاء مباشرة بعد الاعتراف، مثل اتفاقية التسلح، للحصول على طائرات "درون" عسكرية متطورة، ومنها مكاسب قد تُغير وجه المنطقة وتساعد المغرب لكي يصبح قوة إقليمية قادرة على تقوية نفوذها.
وحسب الدراسة، فإن الاعتراف الأمريكي يُمثل دعما سياسيا قويا للمغرب، وهو ما سيسعى الأخير للاستفادة منه للتحول إلى قوة إقليمية في المنطقة، بتعميق مصالحه مع الولايات المتحدة الأمريكية التي قد تجعل بدورها من المغرب "رأس حربة" استراتيجياتها في إفريقيا، في إطار المنافسة القائمة على الأسواق الإفريقية من منافسين آخرين مثل روسيا والصين.
ويُمثل النمو المغربي المتصاعد في المنطقة، حسب الدراسة، تقويضا للوجود الأوروبي الممثل في فرنسا وإسبانيا، خاصة أن المغرب، في ظل الدعم السياسي الأمريكي، سيتجه إلى تعزيز مطالبه على الحدود البحرية في منطقة الصحراء، وهو تهديد تواجهه إسبانيا، كما تواجه تهديد مطالبة المغرب باسترجاع بسبتة ومليلية في الشمال، وهو ما يُعتبر "تهديدا لوحدة إسبانيا الترابية".
استراتيجية المغرب في إفريقيا.. والنمو الاقتصادي
من بين العوامل التي لعبت دورا كبيرا في حدوث تغيرات في الواقع الجيوستراتيجي لصالح المغرب، حسب الدراسة الإسبانية، هو استراتيجية المغرب في إفريقيا، والدفع الاقتصادي الذي تبنته المملكة تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي قام بـ50 زيارة إلى إفريقيا ووقع 1.000 اتفاق في مختلف المجالات مع العديد من البلدان في القارة السمراء.
ووفق الدراسة، فإن عودة المغرب إلى إفريقيا أعطى أكله بشكل كبير، حيث رفع من عدد البلدان التي أصبحت تدعم المغرب في أطروحته حول الصحراء، ويرجع ذلك إلى نشاطه المستمر في القارة، عن طريق الانضمام إلى مجموعات اقتصادية، والاعتماد على الروابط الدينية مع عدد من البلدان الإفريقية ذات المذهب السني، على اعتبار أن الملك محمد السادس أميرا للمؤمنين.
كما أشارت الدراسة إلى الدور الاقتصادي المغربي في إفريقيا، حيث يُعتبر خامس قوة إقتصادية في القارة، وتوجهه نحو تنويع صادراته، وتقوية بنية تحتية، مثل إنشاء الموانئ الكبرى والطرق السيارة والسكك الحديدية، إضافة موقعه الاستراتيجي والاستقرار السياسي ومناخ الأعمال، الشيء الذي يجعله منافس قوي لإسبانيا.
سباق التسلح والتفوق العسكري المغربي
قالت الدارسة الإسبانية، إن المغرب بدأ خطة تسلح وتحديث لترسانته العسكرية بشكل متصاعد منذ سنة 2017، بتخصيص 22 مليار دولار أمريكي لذلك، وهي خطة ستستمر إلى غاي 2022، وقد أعاد التجنيد الإجباري في سنة 2018، وقد أدت هذه التطورات إلى تغيير ملامح القوة العسكرية المغربية بشكل كبير، وقد محى نقاط ضعف جيشه التي كان عليها قبل حادثة جزيرة ليلى سنة 2002.
وأضافت الدراسة أن سباق التسلح بين المغرب والجزائر، رفع من الإنفاق على التسلح العسكري بين البلدين، مشيرة إلى أنه بالرغم من التفوق العسكري للجزائر من حيث العتاد، إلا أن هناك مؤشرات تشير إلى أن المغرب يتجه نحو التفوق العسكري.
وفي هذا السياق، اعتبرت الدراسة أن السياسة المغربية في الاقتصاد هي أفضل بكثير مما هي عليه في الجزائر التي تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة، وهذا سيسمح للمغرب بزيادة إنفاقه على التسلح، مقابل تراجع الجزائر التي لن يكون بمقدورها الاستمرار في الإنفاق في ظل المشاكل الاقتصادية الداخلية.
وتكشف الخطوط العريضة للترسانة العسكرية المغربية، وفق الدراسة، أن المغرب أصبح يمتلك قوة عسكرية مهمة، حيث يمتلك طائرات حربية مقاتلات متطورة أمريكية، إضافة إلى أنظمة دفاع صينية، ودبابات أبرامز الحديثة، ومروحيات الأباتشي، وأنظمة الردار والرصد والتجسس.
كما حصل المغرب على طائرات بدون طيار من إسرائيل، وهي طائرات "درون" عسكرية جد متطورة، إضافة إلى امتلاكه أنظمة دفاع باتريوت، وفوق ذلك يُتوقع أن يحصل على أسلحة أخرى أكثر تطورا من الولايات المتحدة في إطار الاتفاق العسكري الذي جرى توقيعه العام الماضي.
وتحاول الدراسة كخلاصة، أن تشير إلى بوادر صعود مغربي في المنطقة كقوة إقليمية سيكون لها دور مهم على صعيد العلاقات بين بلدان الجوار، وهو ما سيكون له تأثير على إسبانيا التي قد تجد نفسها أمام جار سيفتح معها ملفات عالقة، مثل قضيتي سبتة ومليلية.