هل قرَّبت منيب الاشتراكي الموحد من الشتات؟.. أكثر من 100 عضو في المجلس الوطني يعلنون "العصيان" منهم الساسي ومجاهد والشناوي
لم ينتظر أعضاء المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد طويلا بعد إصدار المكتب السياسي للحزب نفسه بلاغا يعلن تأييد الأمينة العامة نبيلة منيب في قرارها الانسحاب من فيدرالية اليسار الديمقراطي قبل شهرين من الانتخابات البرلمانية والجهوية والجماعية، ليوقع أزيد من مائة منهم بيانا يقف في الجهة المعاكسة تماما، ويصف ما أقدمت عليه بـ"الخطوة المشؤومة"، وهي الوثيقة التي حملت أسماء أبرز قياديي الحزب وفي مقدمتهم محمد الساسي ومحمد مجاهد ومحمد حفيظ ومصطفى الشناوي ونجيب أقصبي وكريم التازي.
وقال الموقعون إنهم "فوجؤوا" بإقدام الأمينة العامة للحزب على سحب توقيعها من التصريح المشترك الذي سبق أن قُدِّمَ إلى وزارة الداخلية، والذي يقضي بالتقدم إلى انتخابات 2021 بترشيحات موحدة للأحزاب الثلاثة أي الحزب الاشتراكي الموحد، والمؤتمر الوطني الاتحادي، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، كما جرت العادة بذلك منذ 15 سنة، وتحت لواء رمز واحد هو "الرسالة".
وجاء في البيان أن "هذا القرار الصادم الذي قُدِّمَ، مع كل أسف، باسم قيادة الحزب الاشتراكي الموحد، يتناقض مع التوجه الذي رسمته أرضية "الأفق الجديد" التي حازت على 80 في المائة من الأصوات في المؤتمر الأخير للحزب، والتي أوصت مناضلاتنا ومناضلينا أن يتصرفوا، مع باقي مناضلي الفيدرالية، من الناحية العملية، كأعضاء حزب واحد، وأن يكثفوا كل أشكال التعاون والتنسيق والتشاور اليومي والعمل الموحد لتهيئة شروط الحدث التاريخي الذي سنعمل على صنعه جماعياً، بحماس وتفاؤل وثقة في المستقبل".
وتابعت الوثيقة أن ما قامت به منيب مناقض أيضا لمضمون البرنامج التعاقدي الذي تَقَدَّمَتْ به الأمينة العامة للحزب أمام المجلس الوطني في دورته الأولى باسم المكتب السياسي، والذي أكد على أن "مهمة تحقيق مشروع الاندماج يجب أن تُشَكِّلَ إحدى الأولويات الأساسية، المؤسَّسة على تكثيف مناضلينا لكل أشكال التعاون والتنسيق والتشاور والنضالات المشتركة والعمل الموحد بين مكونات الفيدرالية وعلى مستوى القواعد بحماس وتفاؤل وثقة في المستقبل، وذلك عبر استكمال الهيكلة المحلية وتقوية العمل الموحد خاصة على مستوى الشباب والطلبة والنساء، والحرص على التواجد الدائم وسط الحراك الشعبي السلمي ودعم النضالات الشعبية، وتنويع الآليات التي سنعمل، مع مكونات الفيدرالية، من خلالها لتوحيد التصورات والإسراع بتوفير شروط الاندماج في المدى المنظور".
ولم يكتف موقعو البيان، وعددهم 101، بتذكير منيب بـ"التناقض" الحاصل مع ما سبق لها أن دعت له والتزمت به، بل أيضا مع النظام الأساسي للحزب الذي ينص في مادته الثامنة على أن "المجلس الوطني هو أعلى سلطة تقريرية للحزب، بعد المؤتمر. يسهر على تفعيل مقررات وتوجهات المؤتمر، ويضع البرامج والخطط ويعمل على تنفيذها، ويراقب ويُقَيِّمُ آداء أجهزة الحزب".
ووفق الموقعين فإنه "من المعلوم أن موضوعا استراتيجيا على هذه الدرجة من الخطورة ويهم مصير تحالفاتنا الانتخابية، المحسوم فيها منذ سنوات وعبر توالي المؤتمرات، كان يتعين أن يُعرض، كأضعف الإيمان، على المجلس الوطني قبل مباشرة سحب التوقيع على تصريح الترشيح الموحد في إطار تحالف انتخابي مع الحزبين الآخرين".
وذكر أعضاء المجلس الوطني لحزب "الشمعة" أن قرار منيب مخالف للمادة السابعة من النظام الأساسي لفيدرالية اليسار الديمقراطي التي تنص على أن القضايا التي تنفرد الفيدرالية وحدها، ودون أي مكون من مكوناتها، بالتقرير فيها، وفي اختيار طرق ووسائل تنفيذ ما قررته بشأنها هي المسألة الدستورية والمسألة الانتخابية وقضية استكمال الوحدة الترابية الوطنية، معتبرين أنه "عملياً من الناحية السياسية، إننا لسنا أمام مجرد اتحاد أحزاب تقليدي كما ينص على ذلك القانون التنظيمي للأحزاب في المغرب بل أمام صيغة أكبر من اتحاد أحزاب، وإن كانت أقل من اندماج في حزب واحد، لأنها تقتطع من السلطة السيادية المستقلة لكل حزب مجالات ثلاثة حيوية وتُوكِلُ البت فيها حصراً لهياكل الفيدرالية".
وأورد البيان أن هذا الأمر يتناقض أيضا مع ما خَلُصَ إليه اجتماع المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد، في دورته المنعقدة ببوزنيقة في 30 نونبر 2019، والذي يعتبر أن "المشروع الاندماجي يمثل خياراً استراتيجيا لا رجعة فيه، وجواباً ملحاً على تحديات يطرحها الوضع السياسي الحالي ببلادنا، ويثمن كل ما تَمَّ إنجازه، ويحيي الجهود المبذولة من طرف كافة المكونات، على طريق إنجاح المشروع"، مضيفا "فكيف يَتِمُّ إنجاح المشروع، بيننا جميعاً، إذا كنا لا نستطيع حتى ضمان مواصلة التزام كل واحد منا بصيغة الترشيح المشترك في الانتخابات، وكيف سَنَتَقَدَّمُ، في مسلسل الاندماج، إذا كنا لا نستطيع الحفاظ حتى على المكتسبات التي راكمناها في مرحلة ما قبل الاندماج النهائي في حزب واحد؟".
وخلص أعضاء المجلس الوطني الموقعين على البيان إلى "رفض هذه الخطوة المشؤومة التي ليس لها أي مبرر موضوعي والتي تُهدد بالإضرار الفادح بالمسار الوحدوي، وتتعارض مع التزاماتنا أمام مناضلينا وأمام حلفائنا وأمام الرأي العام وأمام الشباب التواق إلى ميلاد عرض سياسي جديد في بلادنا"، على حد تعبيرهم.
وأضاف معارضو منيب "اليوم يتأتى لنا أن نُدرِك بالملموس أن ما وقع أخيرا لم يكن معزولا عن سياق بعض الممارسات التي كان أصحابها يرفعون شعار الالتزام بالمشروع الوحدوي الاندماجي، لكنهم من الناحية العملية يختلقون المبررات لتعطيله ويتحينون الفرصة للتخلص منه، ولا أدل على ذلك من سلوك التجاهل الذي نهجته قيادة حزبنا حيال مخرجات الهيئة التقريرية لفيدرالية اليسار الديمقراطي في اجتماعها الأخير واعتبار الاجتماع باطلا وكأنه لم يكن".
وأكد الموقعون أنهم "غير مستعدين البتة للعودة إلى الوراء، ونرفض التمترس في دائرة خط انعزالي حلقي، ونعيد تأكيد تشبثنا بالمسار الوحدوي وحرصنا على مواصلة ما بدأناه بمعية حليفينا وعلى الوفاء بتعهداتنا المعلنة والموثقة والتزامنا الدائم بتغليب إرادة التجميع على إرادة التشتيت والبلقنة، وانتصارنا لمنطق إعادة البناء الجماعي الواعي والمنفتح، ضدا على منطق التعالي وانعدام الوضوح السياسي"، وفق منطوق الوثيقة التي أعلنت "تدشين سلسلة حوارات قاعدية مع مناضلي الحزب، في مختلف المناطق والجهات، بروح ديمقراطية، لبحث سبل مواجهـة الوضع الناجـم عـن حدث 29 يونيو 2021، وصياغة الجواب السياسي والتنظيمي اللازم".
وكان خصوم قرار منيب قد شرعوا في جمع التوقيعات على هذا البيان منذ يوم السبت الماضي، ليتجاوز أمس حاجز المائة مُوقع، ما استدعى التعجيل بنشره مع ترك الباب مفتوحا لتوقيع المزيد من أعضاء المجلس الوطني، وذلك ردا على بلاغ الأمانة العامة الذي أعلن "الدعم والمساندة للأمينة العامة وإدانة الحملات التي تستهدفها شخصيا"، ما يشي بدخول الـPSU في أسوأ أزمة داخلية في تاريخه والتي قد تؤدي به إلى الشتات.
وأعلن البلاغ المذكور تفويض مهمة تدبير هذه المرحلة للمكتب السياسي "بما يلزم رزانة وتبصر وبُعد نظر حفاظا على وحدة الحزب وتعدد مكوناته، وتحويل هذا التعدد إلى نقطة قوة"، داعيا الجسم التنظيمي للحزب إلى الاستعداد لخوض الانتخابات القادمة برمز الشمعة، في إشارة إلى حسم قرار الترشح خارج إطار الفدرالية، مع دعوة كتاب الفروع المحلية والجهوية المنوطة بهم مهمة تقديم المرشحين إلى "التعامل الإيجابي مع تحالف المؤتمر والطليعة وتجنب الصراع على الدوائر أو الدخول في حرب انتخابية"، على حد تعبير الوثيقة.