إسبانيا والجزائر وعرض المصالحة المغربي.. دولة تمد يدها للسلام وأخرى تستورد مبرراتٍ للأزمة من عصر الحرب الباردة
شاءت الأقدار أن يصدر قرار الجزائر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، بعد أيام من خطاب الملك محمد السادس، بمناسبة ذكرى "ثورة الملك والشعب"، الذي أعلن فيه استعداد الرباط لإنهاء الأزمة الدبلوماسية القائمة منذ شهر أبريل الماضي مع مدريد، وهو ما سمح بمقارنة رد الفعل إسبانيا، التي سارع رئيس حكومتها إلى الترحيب بهذه الخطوة وفسح المجال أمام طي صفحة الخلاف نهائيا، وموقف الجزائر، التي تلقت بدورها خطابا وديا قَبلَ الإسبان من طرف العاهل المغربي.
وعلى عكس الجزائر، التي تبدو أسباب الأزمة الدبلوماسية معها غير واضحة المعالم، بل وغير قائمة على وقائع ملموسة، عاش المغرب وإسبانيا أزمة هي الأسوأ منذ أحداث جزيرة ليلى في 2002، حين دخل زعيم جبهة "البلوليساريو" إبراهيم غالي إلى الأراضي الإسباني بشكل سري ودون إخبار الرباط، في أبريل الماضي، تبعتها أزمة وصول أكثر من 10 آلاف مهاجر غير نظامي إلى سبتة عبر الجانب المغربي من الحدود في شهر ماي.
لكن الملك محمد السادس أبدى مؤخرا رغبة معلنة في فتح صفحة جديدة، معلنا أنه يتطلع "بكل صدق وتفاؤل لمواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية ورئيسها بيدرو سانشيز، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقة بين البلدين على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات"، وهو الأمر الذي استقبله سانشيز بشُكر العاهل المغربي على كلامه، موردا "أنا مقتنع بأنه بإمكاننا بناء علاقات على أسس أكثر صلابة مما كانت عليه، وعلى أساس الثقة والاحترام والتعاون"، بل وأبدى اقتناعه بأن "الأزمة قد تكون فرصة لبناء علاقات أعمق".
وقبل ذلك، وتحديدا في 31 يوليوز، كان الملك يُلقي خطابا بمناسبة مرور 22 عاما على جلوسه على عرش المملكة، دعا خلالها الجزائر إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات "بدون شروط وبحُسن نية"، وإلى فتح الحدود التي ذكَّر بأن لا الرئيس الجزائري السابق ولا الحالي ولا هو مسؤولون على قرار إغلاقها، مشددا على أن "الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، ولن يأتيكم منه أي خطر أو تهديد لأن ما يمسكم يمسنا".
وعلى عكس إسبانيا، فضل قصر المرادية التعامل مع دعوة العاهل المغربي وكأنها لم تكن، ثم تجاهل عرضه لمساعدة الجزائر في إخماد حرائق الغابات، قبل أن تصبح الرباط هي "المتهمة" بإضرامها، بل وبجريمة قتل الشاب المتطوع جمال بن إسماعيل، بدعوى دعمها لحركتي "الماك" و"رشاد" اللتان "نفذتا" تلك الجرائم، وفق ما ورد في بلاغ لرئاسة الجمهورية الجزائرية، عقب اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والذي أعلن عن تكثيف المراقبة الأمنية على الحدود مع المغرب.
لكن الأغرب كان هو ما جاء على لسان وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، يوم أمس الثلاثاء، وهو يسوق مبررات قطع العلاقات مع المغرب، فبالنسبة له الداعي الأحداث التي مرت عليها عقود من الزمن تدخل بدورها في صياغة هذا القرار، ومن ذلك حرب الرمال سنة 1963 وقرار الرباط قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجزائر بعد دعمها لمسلحي البوليساريو في 1976، ثم إغلاق الحدود بعد تفجيرات مراكش سنة 1994، وهي "مرجعية" نادرا ما تستند إليها دولة في قرار بحجم قطع العلاقات مع دولة أخرى.
وتكاد الجزائر تكون في ذلك استثناء، رفقة كوريا الشمالية التي تبنى عداءها لجارتها الشمالية على مخلفات الحرب الكورية التي استمرت ما بين 1950 و1953، وكوبا التي ظلت لعقود تبني خصومتها للولايات المتحدة الأمريكية على دعم هذه الأخيرة لـ"أعداء" الثورة الكوبية التي انتهت في فاتح يناير 1959، ما يدفع لطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت الجزائر لا تزال تصنف في خانة الدول التي لم تتمكن بعد من الخروج من عصر الحرب الباردة؟.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :