الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

معادن الجوهر

سمير عطا الله
الجمعة 27 غشت 2021 - 12:50

كان محسن العيني كثيراً على السياسة اليمنية، ولذا؛ ما كان يشكل حكومته، حتى يستقيل. وعندما كُلف في أوائل السبعينات تشكيل حكومته الثانية، أو الثالثة، في صنعاء، وضعت الخبر في «النهار» تحت عنوان: «اليوم أعلن العيني حكومته... فمتى يستقيل؟». وكان ذلك العنوان بداية لصداقة مشرفة لي مع واحد من نبلاء العرب ومن أكثر سياسييهم ترفعاً.

عند غياب الكبار، تختلط المشاعر القومية بالمشاعر الفردية. والمودة التي جمعتني بالدكتور العيني كانت من النوع الذي يثبت تلقائيا. كم من السهل على العرب أن تجمعهم أمة واحدة؛ سواء كانوا من جبال اليمن ومن جبال لبنان. وكم من السهل أن يتقاتلوا فيما بينهم؛ في صنعاء أو بيروت. لكن محسن العيني هرب من كل قتال. وترك المناصب للمتقاتلين عليها. وظل في السياسة من جانبها القومي والفكري والثقافي. ومن ثم ترك اليمن نفسه، وذهب يعيش في القاهرة؛ المنفى العربي المألوف والأليف. لكنه ظل يأتينا إلى بيروت زائراً وعزيزاً. وكان يحرص على السلام على جميع أصدقائه؛ من غسان تويني إلى خير الدين حسيب.

ونادراً ما تحدث في السياسات الصغيرة والعابرة. وكم كان كاتم الحزن وهو يرى أحلامه تتفتت من «صنعا» التي وردت هكذا من دون همزتها في قصيدة الإمام الشافعي الشهيرة، وهو في الطريق إليها. لكن السفر طال كثيراً ببعض الوجوه العريقة من أهل اليمن. وغابوا بعيداً عن أرض شبابهم. ومنهم ذلك العملاق البهي الأشيب الشعر، أحمد محمد النعمان، الذي خرج أستاذ مدرسة من قريته ذي قار ليصبح «الأستاذ» على مدى البلاد. وعلى مدى البلاد نشر الأستاذ وتلميذه أدب الدماثة والمتعة والرحابة. وكان صعباً أن يصدق المرء أن هذا النوع من الرجال قادم من أرض البراكين، والحروب التي لا تستكين.

في هدوئه المطلق، غاب محسن العيني. اعتكف منذ سنين، عندما اقتنع بأن رصاصة الرحمة قد أطلقت على كل أحلامه؛ هو اليتيم الذي قال إن العطف على يتمه أنقذه من رعي الإبل وخوض قتال القبائل، لكي يطلب العلم في بيروت، ثم القاهرة، حتى عندما قطعت عنه المنحة الدراسية.

في غياب مثل هؤلاء المصنوعين من معادن الذهب يحار المرء؛ أيهما أعمق في حزنيه: الشخصي الحارق أم القومي المحروق.

*عن صحيفة الشرق الأوسط

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...