التصعيد الجزائري... و الصبر الاستراتيجي المغربي
التصريحات الجزائرية المتشنجة التي صدرت عن أكثر من مسؤول جزائري في الأيام الماضية، و منحنى القرارات الجزائرية "الرديكالية" تعكس النية المبيتة للتصعيد الجزائري المتصاعد ، فبعد قرار الجزائر المفاجئ بإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية، خرج عمار بلاني مسؤول ملف دول المغرب العربي بوزارة الخارجية الجزائرية بتصريح لـ"رويترز"يتوعد بالمزيد من الإجراءات الإضافية ضد المغرب!.
اللافت أن هذه القرارات "الغير الودية" تأتي تزامنا مع حملة إعلامية، و لقاءات مكثفة لرئيس الدبلوماسية الجزائرية مع نظرائه من مختلف دول العالم على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، و من الواضح أن هذه التحركات تبرز فشل في تسويق الأجندة العدائية ضد المغرب، فمُسوِّغات النظام الجزائري ضد ما يسميه ب "الاستفزازات والممارسات العدائية من الجانب المغربي"، باتت مكشوفة لدى المنتظم الدولي.
إعلاميا لم يفلح السيد رمطان لعمامرة في ترويج هذه القرارات الإستفزازية أمريكيا تحت عنوان "الأساليب الحضارية"!. الصحافة الروسية بدورها وجدت أن التهم الموجه للرباط تنقصها الدقة، "كنيزافيسيمايا غازيتا" مثلا رأت أن " إدارة تبون لم تقدم صيغا أكثر دقة للموقف". تبقى الدواعي الجزائرية لتبرير تلك القرارات غير مؤسسة، و أن غايتها إلحاق الأذى بالمغرب، بالحصار، بمعاكسة مصالحه الإقتصادية، ووحدته الترابية، بالتسويق لللأطروحة الإنفصالية تحت ذريعة تصفية الإستعمار... وفق أجندة قديمة متجددة تحاول البروباغندا الجزائرية و من لف لفها تسويقها قوميا تحت عنواين الأسرلة، و دعم الإرهاب، و افتعال الحرائق، و تجسس الطائرات المغربية...و غيرها من التهم الواهية.
النهج الشرس الذي سلكته الجارة الشرقية بعد عام من الحراك يجد تفسيره في حاجة النظام الجزائري الملحة لتسويق أزمته العميقة، و يرى مراقبون:" أن تصدير الأزمات من طرف النظام الجزائري إلى درجة إغلاق الأجواء ، أمام حركة الطيران المدني يكشف عن اختيار دقيق لموضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني من طرف المغرب ، كي تكون إجراءات التصعيد مبررة و مقنعة ، وهذا الاختيار ينطلق من رهان على موضوع يثير مشاعر الاستياء و الاستنكار لدى شرائح واسعة بالمغرب ".
حنين القيادات الجزائرية المتقدمة في السن إلى فترة الحرب الباردة ، تفسر هذا الحماس الغير المبرر ، في الوقت الذي تسعى فيه الدول القائدة للمحور الشرقي-سابقا- ان تكون براغماتية اكثر و تصالحية مع المحيط الدولي، في السياق قال نائب مدير معهد الدراسات الإفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ليونيد فيتوني: “طالما كانت العلاقات بين الجزائر والمغرب منذ الستينيات معقدة، بل يمكن القول بصراحة، عدائية. اختار البلدان مسارات مختلفة للتنمية. كانت الجزائر صديقة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وتعاون المغرب مع الغرب. أما بالنسبة لروسيا، فتربطها الآن بالجزائر علاقات جيدة. ومع الرباط، أقامت موسكو الآن أيضا علاقات وتعاونا اقتصاديا" و يضيف "حسنت الجزائر بشكل كبير العلاقات مع الغرب؛ وحسن المغرب علاقاته مع روسيا، وقد وصل الأمر إلى خطط لبناء محطة للطاقة النووية بقدرات روسية". لا شك أن السياق الدولي لا يشجع القيادة الجزائرية بالمضي قدما في عنادها ، كما أن الدبلوماسية المغربية الحصيفة لا تجاري نزعة التصعيد لدى الأشقاء أو "هوس التصعيد"، لهذا كان العاهل المغربي أكثر حرصا على "شعرة معاوية" في العلاقات الثنائية رغم الإجراءات الأحادية الجانب(قطع العلاقات الدبلوماسية)، هكذا أبرق للرئيس الجزائري معزيا و مواسيا في وفاة الرئيسين الجزائريين، و لم يفوت مناسبة إلا و أكد على سياسة اليد الممدودة. هذا الرشد يستلهم جذوره من اصول دبلوماسية مرعية، و ليس لوقع ما سمته صحف مقربة للسلطة الجزائرية "بوقع المفاجأة"، بل تتغيى نزع فتيل إشعال المنطقة، وتجنب المزيد من التفاقم.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق المتوتر هل تسطيع الجزائر الذهاب في تصعيدها لخيار الحرب مع المغرب؟، و ما مدى واقعية هذا الخيار الذي كثر الحديث حوله؟. ما حدود الصبر المغربي أمام هذا التمادي؟.
نعتقد أن المغرب مستعد لأسوأ الإحتمالات، و تعيين "قائد المنطقة الجنوبية" الجنرال بلخير الفاروق مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية غير بعيد عن هذه الترتيبات.
الجاهزية لا تعني الانزلاق لمواجهة غير محسوبة العواقب، رغم الاستفزازات و التصريحات الحادة لرئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة ، يبقى خيار الحرب غير وارد، و بمعنى ادق غير واقعي، و من الأدلة على على عدم واقعية خيار الحرب رغم الشعور الزائد بفائض القوة، روسيا حليفة الجزائر التقليدية، يؤكد خبرائها أن "الصراع بين البلدين الصديقين في غير مصلحة موسكو"، و لا في مصلحة القوى الإقليمية و العالمية، وهنا يجب الإشارة إلى موقف الأمم المتحدة حيث قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في ندوة صحفية بنيويورك ردا على موقف غوتيريش من إعلان الجزائر، الأربعاء، إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية إن “الأمين العام يعتقد أنه من المهم للدولتين المغرب والجزائر أن ينخرطا في حوار إيجابي لحل المشاكل العالقة بينهما".
متوسطيا نميل إلى ترجيح أن زيارة وزير الخارجية الإسباني للجزائر لبحث ملف أنبوب الغاز العابر للمغرب، هي أكثر من تأمين لإمدادات الطاقة الحيوية لشبه الجزيرة الإيبيرية، و اقرب إلى وساطة لان أي خلل في الحسابات سيصيب مصالح الشركاء الإقتصادية، و الجيوسياسية.