لعنة الحِمار والكوجيطو
ليسَ من سمِع كنا رأى، هكذا تقول الأُحجِيَة، وليس من عاشَ كمَن شاهد من بعيد، وهكذا تقول أيضاً، لكن الفصلَ في الفرقِ بين الرؤية والإستشعار هو ملامَسة الواقِع من جميع جوانِبه، وهنا بالضبط نقَعُ في المحظور. وقد يقول قائل أيّ محظور هذا ؟ أجيب، إنه محظور التناقض بين ما نراهَ عن قريب وما يقع عن بعيد، وهنا بالضبط توجَد أزمة الفاعِل السياسي في محليّات المملكة الشريفة.
لا يكون القِياس جائزا، إلا إذا غابَت القاعدة، والحقيقة أن جميع القواعِد غائبة عن كوجيطو “السلطة-السياسة-المال” في تحديد هويّة المشاهِد السياسية المحليّة والمصغّرة، قد يقعِ ما لا يقَع، وقد لا يقَع ما يجِب أن يقَع، وفي عمقِ الأشياء دلالتها الأصلية، لكن في ظاهِرها واقِع غير مفهوم.
فهَل يستطيع الفاعِل المحليّ في “البليّدة” المتواجِدة على ضِفاف العاصِمة خرائطياً مثلاً، أن يبرّر وجوده في مجلِس منتخب بالاستناد إلى السنَد الشعبي ؟ الأمر صعب جداً، وفيه إجابة سانِدة لما وقَع ولا يجِب أن يقَع، فمَن يسيّر ليس من حقّه التسيير، وجاَء إليه بعيداً عن قنوات الوصول إلى الكرسي الحقيقية، وهنا يتِم التأصيل لما أريد أن يحرّح القارئ عقلَه لآستيعابه.
إذا سلّمنا بأن القواعِد غير سليمة، واللعبة غير مبنية على أُسُسٍ صحيحة، فهل ننتظِر نتائجاً سليمة ترجِع صدى إيجابي على ساكنة البليّدة، أكادُ أجزِم بأن الإجابة هي لا، وإلّا كيفَ نفسِر تجاذُب العالَم على تفسير الواقع السياسي وِفقَ ما تقتضيه الديمقراطية ؟.
وبالعودَة قليلاً إلى الوراءَ، فلا ديمقراطية كانَت ولا مرّت ولا عزَف لحنُها فوق البليّدة رغم تقاطع المتقاطِعات، حيثُ الكوجيطو الذي ذَكرته لا زالَ معتلاً وبِه من لا يجِب أن يكون بِه، وفيه من لا يجِب أن يكون فيهَ، ومن الضحية ؟ لا نَحن، ولا الفاعِل السياسي، ولا المواطِن، بلِ الديمقراطية في هذا البلَد السعيد.
وكطَيفٍ عابِرٍ في سماءِ ما يجِبُ أن يُفهَم أقولها جازِما، على الهامِش أن يلعَب دوره في تفتيت الكوجيطو وإعادة ضبطِه، أما أن ننتظِرَ نتائجاً من فاعِل بُنِيَ في الأصل على اللّاأصلَ فإننا سنكون كَمن ركِب حماراً ليصِل إلى السويد، وحينَما مات الحِمار بعد مسيرة يومين، لَعَنه على عدِم وفائِه بعهدِ الوصول الذي أجابَ عليه الحِمار ناهقاً.