مقارنة بالمغرب.. إيقاف الجزائر للتبادل التجاري مع إسبانيا ورقة ضغط أم إشارة ضعف؟!
أقدمت الجزائر خلال الأزمة الحالية مع إسبانيا على خطوة "راديكالية" تتجلى في إيقاف التبادل التجاري مع مدريد، وهي خطوة لا تقوم بها -عادة- حتى الدول التي تكون في مواجهات عدائية تجاه بعضها البعض لعقود طويلة، ولم يحدث أو حتى التلميح إليها مثلا من طرف المغرب خلال ذروة الأزمة مع إسبانيا العام الماضي.
ويرجع سبب عدم اتخاذ الدول لمثل هذه القرارات، لكون أن الروابط التجارية بين البلدان، هي في الغالب روابط تتعلق بالأفراد والشركات، وليست روابط بين الحكومات، والشرائح المستهدفة تكون دائما هي الشعوب، وبالتالي فإن لجوء الجزائر إلى قرار مماثل للضغط على مدريد، هو قرار وصفه البعض بـ"الراديكالي"، وسيكون له تأثير سلبي على المستثمرين والشركات، سواء الإسبانية أو الجزائرية وليس على الحكومات.
لكن في الوقت الذي يبدو، أن الجزائر غير مهتمة بمصالح شركاتها التي تُصدر منتوجات إلى إسبانيا بقيمة سنوية تصل إلى حوالي 2 مليار أورو، فإن إسبانيا تبدو أنها عازمة على الدفاع على أفرادها وشركاتها المتضررة من هذا القرار، وتدرس سبل الرد على الجزائر بما يحمي مصالحها.
اتخاذ الجزائر لهذا "القرار التجاري" الذي لم يكن متوقعا، دفع الكثير من المهتمين بهذا الصراع الدبلوماسي بين البلدين، إلى التساؤل عن أسباب جنوح أصحاب القرار في قصر المرادية نحو اتخاذ هذا القرار الذي يُتوقع أن يكون له تبعات سلبية على صورة وسمعة الجزائر على المستوى الأوروبي خاصة، والعالم عامة.
ويتضح ظاهريا أن الجزائر اتخذت هذا القرار كـ"ورقة" جديدة لممارسة الضغوط على مدريد عقب تجديد الأخيرة تأييدها لمقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء، خاصة بعدما انفلتت من يدها ورقة ضغطها "الأقوى" ألا وهي ورقة الغاز، بسبب أن مدريد لم تقم بإعلان موقفها الجديد من الصحراء لصالح المغرب إلا بعد أن وقّعت الشركات الإسبانية عقودا مع الجزائر للحصول على إمدادات الغاز لعدة سنوات.
لكن باطن هذا القرار، يحمل إشارات ضعف، فلجوء الجزائر إلى إيقاف التبادل التجاري مع إسبانيا، يعني بالضرورة أن النظام الجزائري لم يعد له أي أوراق ضغط أخرى للقيام بردود فعل ناجعة تُجاه مدريد، وما يشير إلى ذلك أن هذه "الورقة التجارية" هي بدورها ورقة ضغط ضعيفة ولا يُمكن أن تضع إسبانيا في مأزق كبير.
وحسب تقارير إعلامية إسبانية، من بينها تقرير لصحيفة "إلموندو"، فإن التبادل التجاري مع الجزائر، باستثناء الغاز، لا يُمثل من قيمة المبادلات التجارية الإسبانية مع بلدان العالم سوى 0,7 بالمائة، حيث تصل قيمة صادرات الشركات الإسبانية إلى الجزائر 2 مليار أورو سنويا فقط، وهي تقريبا نفس قيمة صادرات الشركات التجارية الجزائرية إلى إسبانيا بشكل سنوي.
ومن خلال هذه الإحصائيات، فإن القرار الجزائري، مادام أنه لم يشمل الغاز، فإنه قرار غير مؤثر، ما يعني أن هذه الورقة التي لجأت إليها الجزائر، هي ورقة ضغط ضعيفة في الأصل، وقد ينقلب تأثيرها على الجزائر أكثر من إسبانيا في حالة إذا قررت الأخيرة مواجهة التصعيد الجزائري بتصعيد مضاد مدعوم من الاتحاد الأوروبي.
ويمكن القول إلى حد بعيد، أن الجزائر بهذا القرار أظهرت ضعفها أكثر مما أظهرت قوتها، خاصة عند مقارنتها بالمغرب، في ظل أن البلدين معا دخلا في أزمة دبلوماسية حادة مع مدريد، حيث أن الرباط لم تلجأ إلى "الورقة التجارية" للضغط على إسبانيا، بالرغم من أنها أكثر قوة من نظيرتها الجزائرية بأزيد من الضعف.
ويبدو من خلال المقارنة بين المغرب والجزائر، أن الأول يمتلك أوراق ضغط عديدة تعفيه من الوصول إلى مرحلة قطع العلاقات التجارية مع إسبانيا، ولعل أبرزها التعاون الأمني في محاربة الجريمة والإرهاب، والتعاون في مجال الهجرة السرية.
ومؤشر آخر يُبرز قوة المغرب في صراعه الدبلوماسي العام الماضي مع إسبانيا مقارنة بالجزائر وأزمتها الدبلوماسية الحالية مع إسبانيا، هو "القاموس اللغوي الدبلوماسي" الذي استعمله الساسة الإسبان مع المغرب مقارنة بتصريحاتهم الحالية تُجاه الجزائر، حيث كانوا يلجأون إلى أسلوب دبلوماسي لتهدئة الوضع مع الرباط، في حين يهددون اليوم الجزائر بالرد، وقوة النبرة أو ضعفها تبقى رهينة بوضعية الخصم وفق الأعراف الدبلوماسية.
السؤال المطروح حاليا، هل ستخرج الجزائر من هذه الأزمة الدبلوماسية "منتصر أو راضية" مثلما حدث مع المغرب في أزمته مع إسبانيا؟ المؤشرات الحالية تشير إلى أن الجزائر تهدم شيئا فشيئا الجسور التي قد تحتاجها في مرحلة العودة.