الضّمِيرُ الإنسَانِيّ!
بَلَدُنا مِضيَاف.. يَتَمَيّزُ بالتِّرحَابِ والكرَم.. وهذه ثَقافةٌ مُتَجَذّرِةٌ في طِباعِ النّاس.. وحَفاوةُ التّآزُرِ والتّعاوُن، بين مُختَلفِ الفِئات، لا تَخفَى عَن مُجتَمعِنا الذي يَهُبُّ - تِلقائيًّا - لِنَجدَةِ ودَعمِ أيِّ مُحتَاج..
■ هذه مِيزةٌ في هذا البَلَد..
وفِئةٌ تَستَقطِبُ الأنظَار..
وتَجِدُ في حياتِنا اليَوميّة، في أيّ وَقت، فُسحَةَ الأمَل..
الناسُ يتَوَكّلون على الله، ويَخرُجُون إلى حَقلِ الحياة..
وبينَ ظَرفٍ وآخَر، مَسَافَةٌ زمَنيّةٌ تَفصِلُ بينَ مَكانٍ وآخَر، وحالةٍ وأُخرَى…
إنها فُسحةٌ تَكفِي لكَيْ يَعِيشَ الناسُ وَقتًا لِغَيْرِهِم..
فُسحةٌ تكفِي لإيقاظِ الإنسانيّة، والضّميرِ الوطنِيّ، في أعماقِ أيّ إنسان..
▪︎في بلادِنا يُوجدُ هذا النوعُ منَ البشَرِ الخَدُوم: فئةٌ تَتَخَيّرُ وَقتًا ولو قصِيرًا، لكي تَتفرّغَ فيهِ لخِدمةِ الآخَر..
هذا النّوعُ الخَدُومُ مَوجُود في كلّ مكانٍ عِندَنا..
إنها فِئةٌ لا تُفكّرُ في نفسِها فقط، بل تُفكّرُ في غَيرِها، وهي تتَساءَل: "ألا أستَطيعُ أنا أيضًا أن أساعِدَ غَيرِي؟"..
هذه الفئةُ الكريمةُ مَوجُودةٌ عِندَنا، في البَوادِي والحواضِر..
وكلُّ عابرِ سبِيل، يلتَقِي في طريقِه مَن يُرحّبُ به..
ويَكتشفُ بنَفسِهِ الكرَم، وأنّ كُلّ فردٍ لا يتَردّدُ في تقدِيمِ خَدَماتٍ جُلَّى لشَخصٍ مُحتَاج..
■ "مَلائِكةُ الرّحمَة" لا تعيشُ وَحدَها..
حَياتُها لا تكُونُ إلاّ مَع الآخَر، ومِن أجلِ غَيرِها..
فُسحةٌ زَمانيّةٌ يَجِدُها أيُّ امرِئٍ لمُسانَدةِ الغَير..
المُساعدةُ قد تكُونُ بسِيطة، ولكنّها حَتمًا مُهِمّة، لأنّها تأتِي في وقتٍ دقِيق، وبسُرعَة، وتُقَدِّمُ إلى الغيرِ ما يَحتاج.. والمُساعَدَةُ تكُونُ ذاتَ قِيمةٍ وجَودَة، عِندَما تأتي في وقتٍ مُناسٍب..
▪︎"مَلائِكةُ الرّحمَة" مَوجُودَةٌ في أوساطِنا الاجتِماعيّة، ولا هَمَّ لها إلاّ فُسحةُ وقتٍ كافٍ من أجلِ غَيرِها..
وهذه الفِئةُ الرّحِيمة، فيها ما نَرى، وما لا نَرى، وتُقَدّمُ المُستَطاع، في الوقتِ المُناسِب، وبدُونِ انتِظارِ جَزاءٍ أو مُقابِل..
تَبذُلُ هذا الجَمِيل، أو تُؤدِّي هذه الخِدمة، أو تُقدِّمُ نصيحةً ثمِينة، وبسُرعَة، لِمَن يَحتَاجُها، داخلَ الوقتِ المُناسِب..
▪︎كثِيرُون في أوساطِنا الاجتِماعيّةِ يَتَفَرّغُون لغَيرِهِم، من أجلِ ما يَستَطِيعُون..
▪︎وفي الخَفاءِ أيضًا، وفَوقَ كلّ الأحوال، حُكماءُ يَتحَمّلونَ الصّعاب، ويَبذُلونَ الغَالِي والنّفِيس، لطَمْأنَةِ الجمِيع، ونَشرِ الأمَلِ في غدٍ أفضَل..
▪︎نِساءٌ ورجالٌ في قِمّةِ الصّبرِ والمُعاناة، يُواجهُون كلَّ الظّرُوف، على تَناقُضاتِها، وعلى صُعُوبةِ الحياةِ اليوميّة..
وفي هذه الحالاتِ الدّقيقة، يُقدّمُون لكُلّ الناس ما يُقرّبُ الأملَ مِن نفُوسِ الجميع..
ويَبذُلون أقصَى ما يستَطيعُون لإقناعِهِم بتَجنُّب الارتِباك، وبالعَملِ في أجواءِ راحةِ البال، على استِمراريةِ الحياةِ في ظرُوفِها الطبيعيةِ المُعتادة..
هؤلاء، نساءًا ورِجالاً، وفيهِم عاطلُون، وموظّفُون، ومسؤولون وغَيرُهُم.. يَنسَون أنفُسَهُم، ويعِيشُون خلالَ أوقاتٍ مُعيّنة، مِنْ أجلِ غيرِهم..
▪︎وفي نفسيّتِهِم الطيّبة، الإحسانُ للغيرِ ليسَ دائمًا في شكلِ أموال، لأنّ المالَ قد يكُونُ في بعضِ الحالاتِ تشجيعًا على التّسوُّل..
▪︎وهُم لا يَفعَلُون الخيرَ طَمعًا في جَنّةٍ أو تجنُّبًا لجَهَنّم.. إنهُم يًفعلُون الخيرَ من أجلِ الخَير..
وعندما يكُونُ الخيرُ للخَير، يكُونُ فضِيلةً لا تُقاسُ بأيّ ثَمَن..
▪︎وفي قلُوبِ هذه الفئةِ الخَيّرة، شُعلةُ القُدرةِ على التّحمّلِ وعلى مُواجهةِ استِمراريةِ المُعاناة، لا من أجلِ أنفُسِهم، بل من أجلِ غَيرِهِم، ولأجلِ حياةٍ جَماعيةٍ مُشترَكةٍ آمِنة..
▪︎مَسؤولون في قطاعاتٍ مُختلِفة، هُم فاعِلُو الخير، وفي الخَفاء، بعيدًا عن الأضواء..
إنه الخيرُ من أجل الخير، لا من أجلِ جَزاء..
▪︎وعِندَما نَحسِبُ قِيمةَ هذا الخَيرِ للخَير، تكُونُ قِيمةً كبيرةً إذا قارَنْناها بانعكاساتِها الإيجابيّة على التّعايُشِ الاجتِماعي، وعلى رُوحِ التّآزُر والتّعاوُن..
وعِندَما نَتأمّل انعكاساتِ هذا الجميل الذي يُسدَى بدُون أيّ انتِظار، أو أيّ مُقابِل، نَكتشفُ أنّنا في حياةٍ مُستَمرّة، بفَضلِ عُيونٍ وقُلوبٍ صِحّيّةٍ وأمنيّةٍ ومَعِيشيّةٍ مَفتُوحةٍ على غدٍ أفضَل..
▪︎ وترى الناسَ نائمِين.. وعُيُونُ غَيرِهِم مفتُوحةٌ للاطمِئنانِ على استِمراريةِ أحوالِ كلّ البلَد، وعلى ظرُوفِنا الاجتِماعيّةِ والسياسيةِ والاقتِصادية، ناهيكَ عن سلامةِ أرضِنا مِن تعقِيداتِها وانعِكاساتِها على علاقاتِنا الثُّنائية والعالَمِيّة..
■ هذه فضِيلةٌ أخرى مِن السّاهِرِين على أحوالِنا، قِمّةً وقاعِدة، من أجلِ سَلامةِ كُلّ البلَد..
إنهُم حُكماءُ الخَيْر، عُقلاءُ الواجبِ الوَطني، يَستَوعِبُون التّعقيداتِ الحاصِلة في العلاقات بين الدُّول، سياسيًّا واقتصاديّا واجتماعيا وثقافيا ودبلوماسيّا.. ويقُومُون بواجبٍ إنسانيّ هو فوقَ أيةِ مسؤوليةٍ وظِيفيّة..
ويَعتَبرُون الإنسانيةَ أهمَّ وأكبَر.. ولا يتَردّدُون في مُساعَدةِ مَن يَحتاجون للمُساعدة..
الإنسانيةُ هي فوقَ أيّ اعتبارٍ آخَر..
والحياةُ مُستَمِرّة..
■ وَوَطَنُنا أوسَعُ مِن كُلّ الحَالاتِ وأكبَر..
وقَلبُ هذا البَلَد، يَسَعُ الجَمِيع..
الوَطنُ ليس فقَط فَضاءَنا الخُصُوصِيّ والعُمومِيّ..
إنه المُشتَرَك.. كُلُّ ما هو مُشتَرَكٌ بين أفرادٍ وجَماعات..
▪︎ أمّا أن تُسلَّمَ المُساعَدةُ باحتِرامٍ ومُراعاةٍ لكَرامةِ الآخَر، إلى مَن يَحتاجُونها، تكونُ هذه أيضًا فضِيلةً في ذاتِها قِيمةٌ مُضافَة..
▪︎ ولا نِسيانَ للحِفاظِ على صِحّتك.. هيّ أيضًا حِمايةٌ مِنكَ لصحّةِ الآخَر.. وهذه أَسمَتها حَضاراتٌ قديمةٌ "فنَّ العِنايةِ بالصحّة"..
وهذا في ذاتِه مَفهُومٌ طبّي، وفنُّ العَيش، والتّعايُش…
وهي مَعايِيرُ وِقائيّة، لتَجنُّبِ إصَاباتٍ وانتِشارٍ لأمراض..
وإذا ارتَبَطَت هذه وغَيرُها بمَفاهِيمِ "سَلامةِ العمَل"، وسلامةِ العقل، فهذه مُمارَسةٌ مَيدانيّة، ونَظافةٌ مِهَنيّة…
إنها تَنظِيفٌ جَماعيّ مِن النّفاياتِ والجَراثيم..
والحفاظُ على هذه الرعاية، هي أيضًا رعايةٌ لأخلاقياتٍ تقُودُ إلى التخلُّصِ مِن مَظاهِرِ التّلوُّث..
▪︎هي رعايةٌ وِقائيةٌ فَرديّةٌ وجماعيّةٌ ذاتُ بُعدٍ اجتماعيّ تَعقِيمِيّ، وحِمايةٌ للأخلاقِ الاجتِماعيّة..
نَظافةٌ بَدَنيّةٌ تعنِي تنقيةَ الحالةِ النّفسيّةِ والعَقليةِ والعَصَبيّةِ لأيّ إنسان..
▪︎وهذه وغيرُها مِنَ القِيّم الثّقافيّةِ والحَضاريّة، اعتِبارًا لامتِداداتِها إلى نظافةِ البَيتِ والشّارِع، وسَلامةِ البيئةِ الطبيعيّة..
■ وخِتامُهُ مَسؤُوليّة..
مَسؤُوليةٌ مَصدَرُها الضّمِير.. مَسؤُوليةٌ أخلاقيّةٌ جَماعِيّة.. وبهذا المُستوَى السُّلُوكِيّ، لا يَرعَاها إلاّ ضميرٌ مُتَخلِّقٌ مُتحَضّرٌ إنسانِيّ.. ونحنُ هذا الضّمِيرُ الجَماعِيّ.. الضّمِيرُ الإنسانِيّ!