بعد فضيحة "البرتقال الفاسد" وشراء معجبين بـ 340 مليون سنتيم.. مدير ONSSA يَستعمل "سلاح" الإشهار لمعاقبة الصحف والمواقع التي تنتقده!
عَمد عبد الله جناتي، المدير العام للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) على وضع لائحة خاصة بالصحف والمواقع لنشر إعلانات المؤسسة التي يُديرها والتابعة لوزارة الفلاحة.
وانتقى مدير ONSSA شخصيا الصحف والمواقع التي سيعمل معها وأزال من اللائحة العديد من المواقع والصحف التي سبق أن نشرت كل ما هو سلبي يخص تدبير المؤسسة التي يديرها من لائحة نشر إعلانات عيد الأضحى.
وحسب المعطيات، فإن جناتي نقّح شخصيا هذه اللائحة، وأزال منها جميع الصحف والمواقع التي كتبت عن "البرتقال الفاسد" التي تم تصديره إلى هولندا، حيث رفضت الأخيرة توزيعه في أسواقها لاحتوائه على مواد سامة، وهو ما جعل العديد من أسئلة البرلمانيين تطرح على وزير الفلاحة فيما يخص التدابير المتخذة من طرف ONSSA التي تتبع لوزارته، وتقصيرها في مراقبة استعمال المبيدات الحشرية المستعملة في الضيعات الفلاحية.
وهذه ليست المرة الأولى التي استعمل فيها مدير ONSSA "سلاح" الإشهار في حق مؤسسات إعلامية، حيث أن سوابقه متعددة في هذا السياق، وهو الرجل الذي وقع صفقات بملايين السنتيمات لمؤسسات إعلامية محددة لتلميع صورته.
وكان موقع "الصحيفة" قد نشر تقريرا مطولا عن إبرام المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية صفقات فاقت 340 مليون سنتيم خلال ثلاث سنوات لشراء منتسبين لصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، تويتر، انستغرام).
ورغم امكانيات المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، التي وصفها تقرير للمجلس الأعلى للحسابات الذي صدر سنة 2020 بأنها "محدودة"، إلاّ أن مدير المكتب عبد الله جناتي لم يكن رحيما بالمال العام، وبميزانية ONSSA التي من المفترض أن تصرف في مجال اختصاصه، حيث علمت "الصحيفة" أن المكتب عقد صفقة مع شركة إعلانات (..) سنة 2018 بما قيمته 120 سنتيم لرفع أعداد المنتسبين لصفحته على "فايسبوك" و"تويتر" و"انستغرام".
وعاد المكتب ليعقد صفقة ثانية، وثالثة بمبالغ أكثر منها مع نفس الشركة بما يزيد عن 340 مليون سنتيم خلال ثلاث سنوات الماضية من أجل رفع المتابعين لهذه الصفحات، حيث ارتفع عدد المنتسبين لصفحة "الفايسبوك" الخاصة بالمكتب من بضعة آلاف إلى أزيد من مليون ونصف المليون متابع، في حين أصبحت صفحته على تويتر تضم أزيد بقليل من 6021 منتسب، وارتفع عدد المنتسبين إلى صفحة ONSSA على "انستغرام" إلى أزيد بقليل من 143 ألف معجب.
غير أن المثير للانتباه هو أن التفاعل على الصفحات الرسمية للـ ONSSA ضعيف جدا إلى منعدم، وهو برره مصدر من داخل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية إلى أن الشركة التي مررت لها الصفقة "اشترت" أغلب المعجبين من خارج المغرب خصوصا لصفحة الفايسبوك للاحتفاظ بهامش ربح مالي كبير من الصفقة، كما أنها اعتمدت على الرقم أكثر من جلب منتسبين مغاربة يمكنهم الاستفادة من المنشورات التي تنشر على صفحة ONSSA على الفايسبوك تحديدا، وهو ما يجعل الصفقة في رمتها إهدار مُفرط للمال العام.
ويبقى التساؤل إن كان رفع عدد المعجبين ونشر صورة واحدة مع تعليق كل يوم على الصفحات الرسمية للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، يستحق صرف 340 مليون سنتيم من مالية المكتب "الفقير" حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي صدر سنة 2020، أم هو إهدار بشع للمال العام؟
هذا التساؤل حملنا إلى مدير ONSSA عبد الله جناتي الذي تم تعيّنه سنة 2017 من طرف عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، حينها، غير أن جناتي رفض الردّ على مكالمات "الصحيفة"، كما رفض التعليق عن أسئلتنا التي توصل بها عبر رسالة نصية على هاتفه، وهو نفس الرد الذي تلقيناه من مسؤولة التواصل التي أرسلنا أسئلتنا لها دون جدوى.
وكان مدير ONSSA عبد الله جناتي قد وُضع في الزاوية الضيّقة بعد "فضيحة" البرتقال الفاسد الذي تم تصديره إلى هولندا وتبين التقصير الكبير لعمله وللمؤسسة التي يديرها في مراقبة ضيعات البرتقال التي استعملت المبيد السام من نوع "كلوربيريفوس" الذي يُؤثر على خلايا دماغ الأطفال.
وكان بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، قد تساءل في تصريح لموقع "الصحيفة" عن مدى فعالية مراقبة المنتجات المغربية، انطلاقا من أن البرتقال ليس المنتج الوحيد الذي أعيد بعد تصديره ومُنع استهلاكه في دول الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن هذا الأمر يدل على أن هناك "خللا" تتوزع مسؤوليته على المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية والتي تقوم بالمراقبة الأولية و"فوديكس" التي تُجري المراقبة النهائية. وخلص الخراطي إلى أن تجاوز هذه الشحنة لمؤسستي "أونسا" و"فوديكس" يؤكد وجود خلل في نظام المراقبة بالمغرب.
وفي الوقت الذي كان على ONSSA تحمل مسؤوليتها التقصيرية في مراقبة "برتقال فاسد" يحتوي على مواد سامة بِيعَ في الأسواق الداخلية وتم تصديره إلى الخارج وكتبت عنه الصحافة الدولية وأساء لسمعة منتوجات المملكة، عمد عبد الله جناتي إلى إطلاق حملة ترويج مؤدى عنها عبر منصة "تويتر" في عز ارتباط اسمه بفضيحة سحب شحنة من البرتقال المغربي من الأسواق الهولندية بسبب رشها بمبيد "الكلوربيريفوس" السام الذي يُمنع استعماله في المغرب كما في الاتحاد الأوروبي.
وهكذا، مازال مدراء العديد من مؤسسات الدولة يعملون بمنطق ترأسهم لـ"ضيعة خاصة" وليس لمؤسسات عمومية تدبر بمال عام، ويوظفون مالية هذه المؤسسات لتلميع صورهم وعملهم، وتجميل "وجههم القبيح" بصفقات بملايين السنتيمات دون مراقبة كما حدث مع صفقات رفع المنتسبين لصفحات وسائل التواصل الاجتماعي لـ ONSSA والتي لم تخضع لأي مراقبة، بعدية، قبل أن يعود عبد الله جناتي ليوظف المال العام كسلاح في حق الصحف والمواقع التي انتقدته وحرمانها من إعلانات مؤسسة تدار بأموال عمومية، في تضارب صارخ للمصالح.