خوفا من تجنيدهم.. محمد الخامس رفض هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل.. و"الموساد" استعان بفرانكو "الفاشي"
لم يكن أمر تهجير اليهود من المغرب إلى إسرائيل أمرا بسيطا، بل تطلب العديد من المراوغات والتلاعبات وحتى الاستعانة بدكتاتور كان متحالفا مع النازية والفاشية وتقديم "رشاوى"، هذا ما خلص إليه جزء من تقرير مطول لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية حول ستة عقود من العلاقات بين "الموساد" والمغرب، والذي أكد أن الملك الراحل محمد الخامس كان معترضا بشدة على هذه الهجرة حماية لليهود المغاربة من التحول إلى مجندين يقاتلون العرب.
وحسب التقرير فإن العلاقات بين الأجهزة الإسرائيلية والمغرب بدأت في الخمسينات خلال زمن الحماية الفرنسية، وفي تلك الفترة سمحت السلطات الفرنسية بهجرة 70 ألف يهودي مغربي صوب "أرض الميعاد"، لكن بعد الاستقلال كان للملك محمد الخامس رأي آخر، حيث قيد حقهم في السفر ومنع نهائيا هجرتهم إلى إسرائيل، وفي عهده جرى تجريم الصهيونية، وذلك لأنه كان مقتنعا بأن اليهود المغاربة لن يعززوا فقط الدولة اليهودية، لكن أيضا سيتحولون إلى مجندين وينتهي بهم الأمر إلى "محاربة إخوانهم العرب وحتى إخوانهم المغاربة".
وكان هذا الموقف الصلب سببا في "تركيز" الموساد جهوده على المملكة بهدف إيجاد طريقة للالتفاف على قرار الإغلاق، لذلك تم حشد فريق من العملاء الإسرائيليين منهم العديد من اليهود المغاربة، وجميعهم يتقنون الحديث باللغتين العربية والفرنسية، بهدف إيجاد منفذ لتهجير 150 ألف يهودي من المغرب، وهو ما نتج عنه تشكيل فريق أطلق عليه اسم "ميسغيريت" الذي كانت مهمته تنظيم رحلات الهجرة غير الشرعية نحو إسرائيل وأيضا "حماية المجتمعات اليهودية من "مضايقات" الأكثرية العربية المسلمة المعادية لإسرائيل بشكل متزايد"، حسب توصيف "هآرتس".
ويقول التقرير إن عمليات التهجير السري استعانت بالشاحنات وسيارات الأجرة لنقل اليهود إلى نقطة الانطلاق، والتي كانت هي مدينة طنجة خلال خضوعها للانتداب الدولي، ومن موانئها كانت تخرج القوارب نحو إسرائيل بعد أن يتمكن المهربون من اجتياز الحواجز الأمنية، وهو ما كان يضطرهم أحيانا إلى دفع "رشاوى" لعناصر أمن بزيهم الرسمي من أجل التغاضي عن الأمر.
لكن بعد عودة طنجة إلى المغرب ستنقُل الأجهزة الإسرائيلية نشاطها نحو مدينتي سبتة ومليلية اللتان ظلتا خاضعتين للسيادة الإسبانية، والأمر الغريب الذي ذكره التقرير أن "الموساد" حصل على "تعاون كامل" من حاكم إسبانيا آنذاك الجنرال فرانسيسكو فرانكو الذي كان "فاشيا"، موردا أن جهاز المخابرات الإسرائيلي يعتقد أن الدكتاتور الإسباني فعل ذلك بدافع "الإحساس بالذنب" بسبب علاقته بأدولف هتلر، والتي تضمنت تسليمه قوائم مفصلة لليهود الإسبان.
وكادت هذه العمليات أن تتعقد في بداية الستينات، وذلك بعد حادث انقلاب قارب الصيد "إيغوز" المكتظ باليهود وسط مياه البحر الأبيض المتوسط بين المغرب وجبل طارق إثر تعرضه لعاصفة، في 10 يناير 1961، ما أدى إلى مصرع 42 شخصا من بينهم نساء وأطفال وأيضا أحد عملاء الموساد، الشيء الذي فضح نشاط الاستخبارات الإسرائيلية بالمغرب وأغضب السلطة هناك، لكن القدر شاء أن يرحل الملك محمد الخامس عن الدنيا بعد ذلك بفترة وجيزة.
وتقول "هآرتس" إن أمورا كثيرة اختلفت في عهد خَلَفِه الملك الحسن الثاني، الذي كان يسعى إلى تحسين علاقات بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما استغلته لجنة التوزيع المشتركة اليهودية الأمريكية والجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين الناشطتان في أمريكا لإقناع العاهل المغربي بتسهيل مهمة اليهود الراغبين في الالتحاق بإسرائيل، وهو الأمر الذي أدى إلى هجرة 60 ألف شخص.
وحسب تقرير "هآرتس" فإن الأمر لم يتم دون مقابل مادي، إذ كان الحكومة المغربية تتوصل بما وصفتها "رشاوى متنكرة في شكل تعويضات يُزعم استثمارها في مجال التعليم اليهودي محليا"، والتي وصلت قيمتها إلى 50 مليون دولار مصدرها تبرعات الجالية اليهودية الأمريكية، وهو ما انتهى بتنظيم "الموساد" لمشروع هجرة جديدة أطلق عليه اسم "ياخين" تيمنا بأحد أعمدة "هيكل سليمان"، وبفضله هاجر 80 ألف يهودي مغربي إلى غاية 1967، لتبقى على أرض المملكة جالية يهودية صغيرة تعمل كـ"جسر" للعلاقات المغربية الإسرائيلية خاصة في أيام الأزمات العاصفة.